حدثت سيول في بلادنا، ونشرت هذه الدعاء: «يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي». هل يجوز الدعاء بهذه الصيغة؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه «زاد المعاد» أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكتب على جبهته: {وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)} [هود: 44]. للعلاج من الرُّعَاف، وسمعته يقول: كتبتها لغير واحد فبَرِأ. فقال: ولا يجوز كتابتُها بدم الرَّاعف، كما يفعله الجُهَّال، فإن الدم نجِسٌ. فقال: لا يجوز أن يكتب به كلام الله تعالى»(1).
ومعنى ذلك مشروعية الأدعية القرآنية التي تُناسب المقام، ولو أنه قال: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظِّرَاب وبطون الأودية ومنابت الشجر»- لكان أولى؛ فإن هذا هو الدعاء النبوي في مثل هذه الحالة؛ لحديث أنس المتفق عليه قال: أصابت الناسَ سَنَةٌ(2) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسولَ الله، هلك المال وجاع العيال؛ فادعُ الله لنا أن يسقينا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قَزَعةٌ(3). قال: فثار سحابٌ أمثالَ الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيتُ المطر يتحادر على لحيته. قال: فمُطِرنا يومَنا ذلك وفي الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال: يا رسولَ الله تهدَّم البناء، وغرق المال؛ فادعُ اللهَ لنا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا». قال: فما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشير بيده إلى ناحية من السماء إلا تفرَّجت حتى صارت المدينة في مثل الجَوْبة(4)، حتى سال الوادي، وادي قناة شهرًا. قال: فلم يجئ أحدٌ من ناحيةٍ إلا حدَّث بالجود(5). والله تعالى أعلى وأعلم.
_________
(1) «زاد المعاد» (4/358).
(2) أي: قَحْطٌ.
(3) القطعة من السحاب.
(4) الجوبة: هي الفجوة، ومعناه: تقطع السحاب عن المدينة وصار مستديرًا حولها وهي خالية منه.
(5) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة» حديث (933)، ومسلم في كتاب «صلاة الاستسقاء» باب «الدعاء في الاستسقاء» حديث (897)، من حديث رضي الله عنه.