امرأة تتَّصل عليَّ تطلب مني الزنى وأنا مُتزوج، وأحيانًا تتصل على البيت، ومن كثرة هذا الأمر اعترتني لحظات أضعف أمام دعوى الشَّيطان بالزنى وأخشى جدًّا أن أصيبه، وقد تكون خاتمتي ولكن لا أقوى على نفسي فما العملُ؟ أسالك أن تدعوَ لي وأن توصيني بحلٍّ عمليٍّ، فأنا أدعو اللهَ أن يصرفني عنها في ثلث الليل الآخر ولكن في داخلي ضعف شديد أمام هذا الأمر.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلا تطمع امرأة في العادة في رجلٍ وتجترئ على ما ذكرتَ إلا وقد رأت منه ما أطمعها، من إلانةٍ في قول أو تبسُّط في حديث أو إدامة نظر أو نحوه، وهذا هو بريد الزنى وتلك هي مُقدِّماته، وقد قال ربُّك جلَّ وعلا: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]، ولم يقل فقط ولا تزنوا، وإنما قال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ [الإسراء: 32].
فاتَّقِ اللهَ وراجع هذه الأمور، فإن كان الشَّيطانُ قد استدرجك إلى شيءٍ منها فبادر إلى التَّوْبة والانكفاف، واقطع الأمر من مبادئه، واعلم أن مَن حام حول الحمى يوشك أن يواقعه(1)، وتذكَّر قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: 30] وقوله ﷺ فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ: الْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْـخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ»(2).
وما أجمل قول الشاعر:
|
|
|
|
ثم تذكَّر قولَ النَّبي ﷺ فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله ﷺ قال: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْـخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ»(5).
وما رواه أبو هريرة كذلك من قوله ﷺ: «إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا أَقْلَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ»(6).
وما رواه سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَـحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْـجَنَّةَ»(7).
واذكر عقوبةَ الزناة في الآخرة، وتأمَّل في هذا الحديث الذي رواه سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النَّبي ﷺ قال: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ..» فذكر الحديث إلى أن قال: فَانْطَلَقْنَا إِلَى مِثْلِ التَّنُّورِ- قال: فأحسب أنه كان يقول- فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ»، قال: «فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَـهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوضَوُا(8)…» الحديث، وفي آخره: ««وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ هُمْ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي»»(9).
ولعلك بمجاهدة نفسك أن تكونَ من السبعة الذين يُظِلُّهم اللهُ في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ الله عز و جل ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْـمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَـحَابَّا فِي الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ»»(10).
أسأل اللهَ عز و جل أن يرزقك الهدى والتقى والعفاف والغنى، وأن يُغنيك بحلاله عن حرامه، وبطاعته عن معصيته، وبفضله عمَّن سواه، وأن يصرفَ عنك السوء والفحشاء، وأن يجعلك من عباده المخلصين. والله تعالى أعلى وأعلم.
________________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الإيمان» باب «فضل من استبرأ لدينه» حديث (52)، ومسلم في كتاب «المساقاة» باب «أخذ الحلال وترك الشبهات» حديث (1599) من حديث النعمان بن بشير ب؛ بلفظ: ««إِنَّ الْـحَلَالَ بَيِّنٌ، وإن الْـحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الْـحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْـحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ»».
(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الاستئذان» باب «زنى الجوارح دون الفرج» حديث (6243)، ومسلم في كتاب «القدر» باب «قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره» حديث (2657)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(3) الغيد: جمع غيداء؛ وهي المرأة المتمايلة في لين ونعومة.
(4) الأبيات من بحر البسيط. انظر «روضة المحبين ونزهة المشتاقين» لابن قيم الجوزية ص130.
(5) س
(6) سبق فى الايمان ونواقضه
(7) أخرجه البخاري في كتاب «الرقاق» باب «حفظ اللسان» حديث (6474) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه .
و«لحييه» هما العظمان في جانبي الفم، والمراد بما بينهما اللسان وما يتأتى به النطق، وبما بين الرجلين الفرج. انظر: «فتح الباري» (11/309).
(8) أي: رفعوا أصواتهم مختلطة، قال في النهاية: الضوضاة: أصوات الناس ولغطهم وكذا الضوضى. انظر: «فتح الباري» (12/442).
(9) أخرجه البخاري في كتاب «التعبير» باب «تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح» حديث (7047) من حديث سمرة بن جندب .
(10) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأذان» باب «من جلس في المسجد ينتظر الصلاة» حديث (660)، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «فضل إخفاء الصدقة» حديث (1031) من حديث أبي هريرة .