أُعاني من مشكلةٍ كُبرى، وهي الكِبر، فأنا أجد في نفسي شيئًا منه مثل الأمن مِن مَكْر الله واحتقار المذنبين، وقد جاهدتُ نفسي كثيرًا ولكن بلا جدوى، وقد كبرت معاناتي، خاصَّة عندما علمت أنه «لَا يَدْخُلُ الْـجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةٌ مِنْ كِبْرٍ»(1). أُريد أن أتخلَّص من هذا الشعور، ولكنني لم أقدر، أرجوكم ساعدوني قبل أن أَهلِكَ.
___________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «تحريم الكبر وبيانه» حديث (91) من حديث عبد الله بن مسعود .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فنُذكِّرك بأنه لا يأمن مَكْر الله إلا القوم الخاسرون(1)، وأن تعلم أن مِن النَّاس مُبتلًى ومعافًى، فارحموا أهلَ البلاء واحمدوا اللهَ على العافية(2).
ننصحك ألا تكون ممن ينظرون في ذنوب النَّاس كأنهم أربابٌ، بل انظروا في ذنوبكم فإنكم عبيدٌ. تتحدَّث عن احتقارك للمذنبين، وأنت تجد في نفسك ما تجد من الشعور بالكِبر تارةً وبالأمن من مِكْر الله تارةً أخرى. فهلَّا أدركتَ أن ما تجده من كِبْرٍ وأمنٍ من مكرِ الله أعظمُ من هذه الذنوب التي تحتقر أصحابَها؟!
لقد احتقرتَ المذنبين وتعالَيْتَ عليهم فابتُليت بأعظم مما ابتُلوا به، وتورَّطْتَ في أبشع مما تورَّطوا فيه، ورُبَّ معصيةٍ أورثت ذلًّا وانكسارًا خير من طاعةٍ أورثت عزًّا وافتخارًا.
تأمَّل في هذه المعاني، وابحث لك عن رفقةٍ صالحة تُذكِّرك بالخير وتُعينك عليه، والزم بابَ الدُّعاء والاستغفار، وربُّك أكرم من سُئل وأرأف من مَلَك. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) قال تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: 99].
(2) فقد أخرج مالك في «موطئه» (2/986) حديث (1784) أنه بلغه: أن عيسى ابن مريم كان يقول: لا تُكثروا الكلامَ بغير ذكرِ الله فتقسُو قلوبُكم فإن القلبَ القاسيَ بعيدٌ من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنَّكم أربابٌ وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيدٌ فإنما الناس مُبتلًى ومعافًى فارحموا أهل البلاءِ واحمدوا الله على العافية.