يتم في بلادنا اجتماع للعائلة؛ حيث يجتمع شباب وفتيات العائلة في ظل وجود أقارب، وذلك بصفة أسبوعية للتعرف والتشاور على أحوال العائلة.
(توضيح: يتواجد الشاب مع أخيه وأخته وبنت عمه وعمته في بيت العائلة)، فما الحكم الشرعي؟ وما حكم ذهاب الأخت إلى المصيف مع العائلة (أبيها وابن عمها وزوجها)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الاختلاط إذا دعت إليه حاجة من الحاجات والتزم الجميع بالآداب الإسلامية رجالًا ونساء؛ من غض البصر والحديث بالمعروف، والتزمت المرأة بحجابها وبعفافها ووقارها فلا حرج فيه، وما أبيح للحاجة ينبغي أن يقدَّر بقدرهـا ولا يتوسَّـع فيه.
وقد ناقش مجمـع فقهاء الشريعة بأمريكا في دورة مؤتمره السادس المنعقد في كندا هذه القضية فيما ناقش، وانتهى إلى القرار التالي نسوقه لك بنصه لتمام الفائدة:
حول الاختلاط بين الرجال والنساء:
الاختلاط تعبير مُجمَل، منه ما يحل ومنه ما يحرم، ومن هذا وذاك ما هو متفق عليه، ومنه ما هو مختلف فيه.
فإن قُصد به مجرد اجتماع الرجال والنساء في أماكن مفتوحة لأداء عمل مشترك دينيًّا كان أو دنيويًّا، وروعيت فيه الآداب الشرعية من الحجاب وغضِّ البصر ونحوه، ورُتِّب المجلس بما يُعين على ذلك؛ فلا حرج فيه، ومن ذلك اجتماع الرجال والنساء في الخلاء لشهود العيدين، وحول المشاعر في الحج، وفي مجالس العلم المفتوحـة؛ سـواء أكان ذلك في المسجد أم في غيره، وخروج النساء لقضاء حوائجهن في مجامع الناس.
مـع ملاحظة التزام النساء بالحجاب وكونهن متباعدات عن الرجال ما أمكـن، والتزام الفريقين بالصيانة وغض البصر، ومـع التأكيد على أهمية الفصـل بين الجنسين في المؤسسات التعليمية؛ فإن هذا أحفظ للقيم، وأبعد للفتن، وأقطع للذرائع، وأدعى إلى اجتماع الذهن على طلب العلم، وقد بدأت تنتبه إلى ذلك بعض المؤسسات التعليمية في المجتمعات الغربية.
أما إن قُصد به اختلاط الفريقين وتخلُّل صفوفهما؛ فذلك على أصل المنع، ما لم تدعُ إليه ضرورة أو شدة حاجة شرعية معتبرة، ومن الحاجات ما هو منصوص عليـه، ومنها ما هـو مقيس عليها. ومن ذلك ما يكـون في الحروب أو التقاضي أو التطبيب ونحوه، مع ملاحظة أن الضرورات والحاجـات تقدَّر بقدرها.
ومتى كان الاختلاط مباحًا؛ لضرورة أو لحاجة معتبرة، فإن هناك ضوابط ينبغي أن تراعى في كل أحواله؛ ومنها غض البصر، وتجنب الفحش والعبث، وتحريم الخلوة، وتلامس الأبدان، ومنع التزاحم، والالتزام بالصيانة وستر العورات، وأن ترتَّب المجالس بما يعين على غض البصر ما أمكن.
ولا يندرج فيما يسوغ من المصالح والحاجات فرضُ الفتيات في المحافل العامة كمقدِّمات للبرامج أو مستقبلات للضيوف ونحوه وفي المجلس من الشبـاب من يستطيعون أن يؤدوا هذه الأعمال بنفس المهنية والاقتدار.
ولا يندرج فيما يسوغ من المصالح والحاجات جمعُ العوائل والأسر على موائد مشتركة مختلطة بمناسبة القيام ببعض الأنشطة الاجتماعية كجمع التبرعات أو وليمـة عرس ونحوه.
وهناك عوامل تؤثر في هذا الباب تضييقًا وتوسيعًا، فإن الذي يظهر من النظر في النصوص وعمل السلف أن أمر الاختلاط يختلف بحسب أعمار الرجال والنساء، والحاجة الداعية إليه، والمناخ الذي يوجد فيه من حيث وجود الفتنة وعدمها، والضابط في ذلك هو الموازنة بين المصالح والمفاسد، وعلى المكلَّف في هذه الحالات أن يستفتي أهل العلم في الواقعة المعينة وأن يصدر عن فتواهم في ذلك.
وصفوة القول في ذلك: أنه يجب الاحتياط للقيم الإسلامية التي دل عليها الشرع؛ كالفضيلة والعفاف والستر والصيانة، مع مراعاة الحاجة إلى اشتراك المرأة والرجل في مجالات فعل الخير والتعاون على البر والتقوى، والدعوة والإصلاح، وفي مثل هذا تقدَّم المصلحة الراجحة على المفسدة المتوهَّمة.
أما ذهاب الأخت إلى المصيف فلا ينبغي لهـا أن تسافر بغير محرم، ولا أن تبقى في هذه الأماكن بغير محرم؛ لعدم وجود الضرورة الداعية إلى ذلك، ولا أن تبدي زينتها إلا أمام من رخَّص لهـا الشرع في إبدائها أمامهم من المحارم، علمًا بأن هذه الأماكن أماكن تهتُّك في الجملة، فينبغي الاحتياط وتخير أقلها سوءًا والاقتصار في ذلك على ما تندفع به الحاجة. والله تعالى أعلى وأعلم.