كنتُ آكل ثم وقع على يدي بعضُ الطَّعام، فاستقذرت أن ألعق الطَّعام الذي نزل على إصبعي لأنني ظننتُ أن هذا قذرٌ، ولكنني ظننتُ أن هذا من السُّنة كما قرأته في كتاب «رياض الصَّالحين». فهل أبغضتُ شيئًا من الدِّين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد روى مسلمٌ عن أنس: أن رسولَ الله ﷺ كان إذا أكل طعامًا لعق أصابعه الثَّلاث، قال: وقال: «إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ». وأَمَرَنا أن نسلت القصعةَ، قال: ««فَإِنَّكُم لَا تَدْرُون فِي أيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةَ»»(1).
وروى أيضًا عن أبي هريرة: قال رسول الله ﷺ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيَّتِهِنَّ الْبَرَكةَ»(2).
قال النَّوَويُّ: «معناه أن الطَّعامَ الذي يحضر الإنسان فيه بركةٌ، ولا يدري أن تلك البَرَكة فيما أكله أو فيما بقي على أصابعه، أو فيما بقي في أسفل القَصْعة، أو في اللُّقمة السَّاقطة؛ فينبغي أن يُحافظ على هذا كلِّه لتحصل البَرَكة. وأصل البَرَكة: الزِّيادة وثبوت الخير والانتفاع به، والمراد هنا: ما يحصل به التَّغْذية وتسلم عاقبته من أذًى ويُقوي على طاعة الله تعالى وغير ذلك». انتهى(3).
فإذا علمتَ أن هذا هو السُّنَّة فلا ينبغي أن يكون في صدرك حرجٌ منها، ولا ينبغي لك أن ترغب عنها؛ فقد قال ﷺ: «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»(4).
أما ما كان منك قبل العِلْم بذلك فلا حرج عليك منه؛ لأن حكمَ الخِطاب لا يثبت في حقِّ الـمُكلَّف إلا إذا بَلَغه؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: 19] والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «الأشربة» باب «استحباب لعق الأصابع والقصعة وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى وكراهة مسح اليد قبل لعقها» حديث (2034).
(2) أخرجه مسلم في كتاب «الأشربة» باب «استحباب لعق الأصابع والقصعة وأكل اللقمة» حديث (2035).
(3) «شرح النووي على صحيح مسلم» (13/206).
(4) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «الترغيب في النكاح» حديث (5063)، ومسلم في كتاب «النكاح» باب «استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم» حديث (1401) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .