ما حكم إلقاء السلام على المشتغل بالصلاة أو بقراءة القرآن؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
أما المشتغل بقراءة القرآن فإن جمهور أهل العلم على كراهة إلقاء السلام عليه(1)؛ لئلا نشوش عليه بذلك، وذهب الشافعية(2) إلى القول بعدم الكراهة، ومن الأحاديث التي وردت في ذلك ما ثبت عن صهيب رضي الله عنه أنه قال: مررت برسول الله ﷺ وهو يصلي فسلَّمت فرد إليَّ إشارة. وقال: لا أعلم إلا أنه قال إشارة بإصبعه(3).
وفي رواية للترمذي قال ابن عمر: قلت لبلال: كيف كان رسول الله ﷺ يردُّ عليهم حين كانوا يسلِّمون عليه وهو في الصلاة؟ قال: يشير بيده(4).
وعند أبي داود تفصيل لهذه الإشارة، فقد أجاب بلال حين سأله ابن عمر عن كيفية الإشارة، قال: يقول هكذا. وبسط كفه، وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره (أي ظهر كفه) إلى فوق(5).
قال في «كشاف القناع»: «والمذهب لا يُكره السلام على المصلي، نصَّ عليه، وفعله ابن عمر؛ لقوله تعالى: { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] أي أهل دينكم، ولأنه ﷺ حين سلَّم عليه أصحابه لم ينكر ذلك»(6). اهـ.
فالمسألة في محل الاجتهاد، وظاهر الأدلة مع قول الحنابلة.
ومثل ذلك المشتغل بقراءة القرآن؛ فقد اختلف أهل العلم في إلقاء السلام على القارئ للقرآن ونحوه، قال ابن حجر في «فتح الباري»: «وأما المشتغل بقراءة القرآن فقال الواحدي: الأولى ترك السلام عليه، فإن سُلِّم عليه كفاه الرد بالإشارة، وإن رد لفظًا استأنف الاستعاذة وقرأ. قال النووي: وفيه نظر، والظاهر أنه يشرع السلام عليه، ويجب عليه الرد. ثم قال: وأما من كان مشتغلًا بالدعاء مستغرقًا فيه مستجمع القلب، فيحتمل أن يقال هو كالقارئ، والأظهر عندي أنه يكره السلام عليه لأنه يتنكَّد به ويشق عليه أكثر من مشقة الأكل»(7). اهـ. والله تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) جاء في «تبيين الحقائق» من كتب الحنفية (1/157-159): «ويكره السلام على المصلي والقارئ والجالس للقضاء أو للبحث في الفقه».
وجاء في «مواهب الجليل» من كتب المالكية (1/458-460): «فائدة ) قال أبو الحسن الصغير والذي يكره السلام عليهم خمسة : الملبي ، والمؤذن ، وقاضي الحاجة ، والآكل ، والشارب انتهى . وقال في المدخل قال علماؤنا رحمة الله عليهم أربعة لا يسلم عليهم فإن سلم عليهم أحد لا يستحق جوابا : الآكل ، والجالس لقضاء حاجة الإنسان ، والمؤذن ، والملبي ، وزاد بعضهم قارئ القرآن ذكره في فصل آداب الأكل».
وجاء في «كشاف القناع» من كتب الحنابلة (2/153): «( و ) يكره السلام ( على تال ) للقرآن و على ( ذاكر ) لله تعالى وعلى ( ملب ومحدث )».
(2) جاء في «تحفة المحتاج» من كتب الشافعية (9/225-229): «ورجح المصنف ندبه على القارئ وإن اشتغل بالتدبر ووجوب الرد عليه».
(3) أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «رد السلام في الصلاة» حديث (925)، والترمذي في كتاب «الصلاة» باب «ما جاء في الإشارة في الصلاة» حديث (367)، والنسائي في كتاب «الصلاة» باب «رد السلام بالإشارة» حديث (1186)، وابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة» باب «المصلي يسلم عليه كيف يرد» حديث (1017)، والدارمي في كتاب «الصلاة» باب «كيف يرد السلام في الصلاة» حديث (94). وصححه الشيخ الألباني في «صحيح السنن الأربعة».
( 4) أخرجه الترمذي في كتاب «الصلاة» باب «ما جاء في الإشارة في الصلاة» حديث (368). وقال: «هذا حديث حسن صحيح».
(5) أخرجه أبو داود في كتاب «الصلاة» باب «رد السلام في الصلاة» (927)، وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (927).
(6) «كشاف القناع» (1/378).
(7) «فتح الباري» (11/20).