هناك مسائل فقهيَّة شائعة بين المسلمين تحتاج إلى بيان نرجو الإفادة فيها ولو باختصار:
المسألة الأولى: يقول النَّبيُّ ﷺ: «آيَةُ الْـمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»(1). والسُّؤال: هل إذا أخلف المسلمُ الوعدَ يكون منافقًا خالصًا، على اعتبار أن مُخلِفَ الوعد حتمًا سيكذب ويخون أمانة الكلمة؟
المسألة الثَّانية: ما تعريف اللُّؤم في الإسلام؟ ومتى يكون المسلمُ لئيمًا؟ وهل إذا أرشد النَّاسَ إلى الخير يكون لئيمًا؟ هذا أمرٌ، والأمر الثَّاني: ما تقول في مسلم يتحيَّن الفُرَص ليُفرغ كلَّ ما في قلبه لزوجة صاحبه بطريقة ما ويقول لها: زوجك لئيمٌ. ما حكم ذلك في الإسلام؟ هل يدخل هذا في تخبيب المرأة على زوجها؟
المسألة الثَّالثة: يقول الإمام عمر : لا تنظروا إلى صلاة المرء ولا إلى صيامه، ولكن انظروا إلى صدقه في الحديث. هل هذا يعني أن المسلمَ الكاذب لا تُقبل منه صلاته أو صيامه؟
المسألة الرَّابعة: ما حكم الشَّرع في تبديد ممتلكات المسجد أو الإضرار بها مع انعدام المحاولة حتى في إصلاحها؟
المسألة الخامسة: يقول الله :﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22]، ويقول عمر : قطعُ الأعناق ولا قطع الأرزاق. ما حكم من يظلُّ يُوشي لصاحب العمل بأخٍ له مسلم حتى يطرده منه لغايةٍ في نفسه، كأن يأخذ مكانه أو يُبعده عنه، أو أي سبب آخر؟
المسألة السَّادسة: يقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2] مسلمٌ يعمل في الحرام، ويبحث عند إخوانه المسلمين أصحاب المحلَّات والشَّركات عن فرصة عملٍ بالحلال ولا يجد أحدًا منهم يَمُدُّ له يد العون وهم قادرون على مساعدته. سؤالي من شقَّين: أوَّلًا: ما حكم استمرار عمله في الحرام؟ وثانيًا: ما حكم من بيده مساعدةٌ أخيه المسلم ولا يفعل؟ ألا ينطبق عليه قولُ النبيِّ ﷺ: «مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمْرِ الْـمُسْلِمِينَ فلَيْسَ مِنْهُمْ»(2)؟ وجزاكم الله كلَّ خيرٍ.
____________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الإيمان» باب «علامة المنافق» حديث (33)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان خصال المنافق» حديث (59) من حديث أبي هريرة .
(2) أخرجه الطبراني في «الأوسط» (7/270) حديث (7473) من حديث حذيفة ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/87) وقال: «رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن أبي جعفر الرازي ضعفه محمد بن حميد ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة وابن حبان».
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الوفاء بالوعد واجبٌ في باب المروءات ومكارم الأخلاق، ولا يحلُّ لأحد أن يَعِدَ وعدًا وهو يُضمر في نفسه إخلافَه، فإن هذا يُعدُّ شعبة من النِّفاق؛ لأن حقيقةَ النِّفاق أن تُظهر خلاف ما تُبطن، فإن أظهرت وعدًا وأبطنت إخلافَه فهذه خصلةٌ من خصال المنافقين.
ولكن بقي أن تعلم أن النِّفاق منه نفاق العمل، وهو من جنس الذُّنوب والمعاصي، ومنه نفاق الاعتقاد، وهو من جنس الكفر الأكبر، فنفاق الاعتقاد أن يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر، أما نفاق العمل فهو أن يكذب في حديثه أو أن يُخلِفَ في وعده أو أن يخون في أمانته، وهو من جنس الذُّنوب والمعاصي، وأصحابها في خطر المشيئة، إن شاء اللهُ عذَّبهم وإن شاء غفر لهم، ولكنها لا تُخرج من المِلَّة.
أما اللُّؤم فهو صفة جامعة لكثير من الرَّذائل، كالخبث والمكر والخداع وإنكار المعروف ونحوه، وقد قالت الحكماء: أصل كلِّ عداوة اصطناع المعروف إلى اللِّئام. وقالوا: المعروف إلى اللَّئيم أضيع من الرَّسم على بساط الماء والخَطِّ على بُسُط الهواء.
ولا يُمكن أن يكون الدَّاعي إلى الخير لئيمًا قطُّ، اللَّهم إلا في عُرف اللِّئام.
ولا شك أن من يأتي إلى زوجة صاحبه ليقدح لها في زوجها ويصفه باللُّؤم فهو آثمٌ، لأنه يُخبِّب المرأةَ على زوجها(1)، وآثمٌ لأنه يكلم امرأة أجنبيَّة بمَعْزِلٍ عن زوجها ومِن وراء ظهره.
ولا يخفى أنه لا يحلُّ تبديدُ ممتلكات المسجد.
ولا يحلُّ السَّعي في قطع أرزاق الآخرين ظلمًا وعدوانًا.
ولا يحلُّ لأحدٍ أن يعمل في المُحرَّمات وهو قادرٌ على العمل في الطَّيِّبات، ولا يحلُّ لمن يعلم بحاله ويقدر على مساعدته بغير مضرَّة تلحق به ثم لا يساعده.
ولكن بقي شيءٌ أخيرٌ نوجِّهه إليك أيها الحبيب: لا ينبغي لك أن تستخدم فتاوى المجمع سلاحًا تصول به في خصوماتٍ لا يعرف المجمع أبعادها ولا ملابساتها؛ فإنه لا يُقضى بين اثنين حتى يُسمع من كليهما، فاتَّقوا الله وأصلحوا ذاتَ بينِكم، واعلموا أنه لا يحلُّ مشاكلكم أن تستدعوا الفقه والفقهاء لتُدخلوا ردودهم وفتاواهم معكم في حلبة الصِّراع، فإن الفقه لإطفاء الحرائق وليس لتسعيرها. زادك اللهُ حرصًا وتوفيقًا، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) فقد أخرج أبو داود في كتاب «الطلاق» باب «فيمن خَبَّب امرأة على زوجها» حديث (2175)، والحاكم في «مستدركه» (2/214) حديث (2795)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا»، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه»، وذكره الألباني في «صحيح أبي داود» (2175).