لبس القلادة للرجال

أشكر الإخوة الفضلاء القائمين على هذا المجمع الذي أفاد المسلمين بما يقدم لهم من علم ومعرفة بدينهم. وأسأل الله جل وعلا أن يوفقكم لكل ما فيه صلاح المسلمين في أمريكا وجميع العالم. إخواني الأفاضل: أنا طالب عِلمٍ ولله الحمد، وأعلِّم أخًا لي في الله أمريكيًّا مسلمًا مبادئ دينه، ونقرأ معًا في كتاب «منهاج المسلم» للجزائري. فأنا أحب أن أساعده في تعلُّم دينه. وهذا الأخ يحب معرفة الأحكام في العبادة ويكثر من صلاة التطوع والأذكار ولكنه مبتدئ، ويحب اللباس الإسلامي والعمامة والغترة، ويلبسه دائمًا وينكر على المسلمين الذين يلبسون اللباس الغربي. ومع ذلك فإنه يلبس في بعض الأحيان قلادة فضية على مجسم عقرب وسوار على المعصم. وهذا الأخ جديد على أمور الإسلام وأصوله، فأنا أحاول أن أتدرج معه في النصيحة والنهي عن المنكرات التي يفعلها وأحاول أن أقنعه بالمنطق والحجة والبرهان. فلما نصحته بأن هذا شعار لكثير من الكفار وعلامة لهم فيرد عليَّ ويقول: إن هذه الأشياء من عادات مجتمعنا الأمريكي وتقاليده، والإسلام لم يأمر أحدًا أن يترك عاداته، بل جاء ليقرهم عليها. ويقول: إنه لا نص في تحريم لبس هذه الأشياء. فأرجو التكرُّم بتوضيح المسألة بالنصوص وأقوال أهل العلم فيها، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفة لباس غير المسلم، والحكمة في المخالفة والثَّمرة الظاهرة والباطنة لهذه الأمور. وأرجو أن تكون الإجابة شافية كافية وباللغة الإنجليزية.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلماذا ينكر أخونا على عامة المسلمين لبس اللباس الغربي ويُصِرُّ هو على لبس الغترة والعمامة؟ ما هو جواب له عن هذا السؤال هو جواب لك عند دعوته إلى ترك القلادة والسوار.
بالإضافة إلى أن القلادة في العنق من زينة النساء، فلم يُعرَف في تاريخ المسلمين تحلي رجالهم بالقلائد، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تشبُّه الرجال بالنساء وجعل ذلك من أسباب اللعنة فقال صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ».
بالإضافة إلى نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصور وخاصة المجسمة منها، والأحاديث في النهي عن الصور والأمر بطمسها كثيرة جدًّا:
منها ما ذكرته ‏عائشة أم المؤمنين ‏ ل ‏أنها أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنها اشترت ‏نُمرُقةً ‏فيها تصاويرُ، فلما رآها رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏قام على الباب فلم يدخله فعرفت في وجهه الكراهيةَ، فقلتُ: يا رسول الله أتوبُ إلى الله وإلى رسوله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ماذا أذنبتُ؟ فقال رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم: ‏«مَا بَالُ هَذِهِ ‏النُّمْرُقَةِ؟»،‏ ‏قلتُ: اشتريتُها لكَ لتَقْعُدَ عليها وتَوسَّدَها، فقال رسولُ الله ‏ صلى الله عليه وسلم: «‏إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ». وقال: «إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْـمَلَائِكَةُ».
‏ومنها ما رواه البخاري ومسلم، ‏عن ‏مسلم بن صبيح ‏قال: كنا مع ‏مسروق ‏في دار ‏يَسَار بن نُمَير ‏فرأى في صُفَّتِه تماثيل ‏فقال: سمعت ‏‏عبد الله ‏قال: سمعتُ ‏النبي صلى الله عليه وسلم ‏يقول: ‏«إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ».
ومنها ما رواه البخاريُّ ‏عن ‏سعيد بن أبي الحسن ‏قال: كنت عند ‏ابن عبَّاس ب ‏إذ أتاه رجلٌ فقال: يا ‏ابن عباس ‏إني إنسانٌ إنَّما مَعِيشتي من صَنْعةِ يَدِي، وإنِّي أصنعُ هذه التصاويرَ، فقال ‏ابن عباسٍ: ‏لا أُحَدِّثُك إلا ما سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ‏يقولُ، سَمِعتُه يقول: «‏مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا»، فَرَبَا الرَّجُلُ ‏رَبْوَةً ‏شَدِيدَةً وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ، فقال: وَيْحَك! إنْ أَبَيْتَ إلا أنْ تَصنَع فعليكَ بهذا الشَّجَر، كل شيءٍ ليس فيه روحٌ.
هذا بالإضافة إلى ما تقرَّر من النهي العامِّ عن التشبه بغير المسلمين؛ للنصوص العامة التي تنهى عن اتباع أهوائهم وتحرِّم التشبه بهم، كقوله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية: 18]، وقوله ‏ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».
ومن ناحية أخرى، فلا يخفى أن المُشابهة في الظاهر تُورث نوعَ مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تُورث المُشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحسُّ والتجربة؛ وقد مَنَّ الله على صاحبك هذا بالمُخالفة فيما لم يُؤمَر بالمخالفة فيه، وهو الثياب اليومية التي تمثل مشتركًا إنسانيًّا عامًّا بين البشر، إلا ما حمل منها دلالة على مِلَّة أو نحلة بعينها، فأولى به أن يَستجيبَ للمخالفة فيما وردت النصوص بالنهي عن التشبه فيه، فأسأل الله أن يشرح صدره لقبول الحق.
وأخيرًا فإننا نُوصِيك بالرِّفق معه، وإن اقتضى ذلك تجاهُل هذا الأمر معه إلى حينٍ، فلا حرج تدرُّجًا به على طريق الهداية، والله من وراء القصد وهو تعالى أعلى وأعلم.
خلع النقاب للمرأة عند التعرض للضغوط في المجتمع الغربي

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   20 اللباس والزينة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend