ما حكم من يريد أن يتحاكم إلى القوانين الوضعية لشهوة، كأن يكون القانون الوضعي يعطيه أكثر من حقه، فتقول له: تعالَ نتحاكم للشرع. يقول: لا بل للقانون؛ لشهوة المال؟ وما الفرق بين صورة هذا الشخص وبين صورة الكفر الأصغر في الحاكمية؟ وما الضابط في الحكم؟ ومتى تكون هذه الصورة كفرًا أكبر أو أصغر؟ وما معنى قول شيخ الإسلام: فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره مع أن هذا ترك محض وقد يكون سببه قوة الشهوة فكيف بالنقص والسب ونحوه؟ «الصارم المسلول على شاتم الرسول».
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
الأصل في قضية التحاكم أنه متى تخلف ركن التصديق أو الانقياد فقد تخلف أصل الدين، وذلك مناط الكفر الأكبر المخرج من الملة، وأحسب أن هذا القدر من المحكم الذي لا ينبغي أن يختلف فيه أو يختلف عليه، ولكن الخلاف بعد ذلك يكون في المناطات ومدى تحقق ذلك الأمر فيها أو تخلفه، فمن ترك التحاكم إلى الشرع في قضية من القضايا وكان مرد ذلك إلى تكذيب الحكم الشرعي أو رده فقد خرج بذلك من الإسلام، أما من ترك ذلك لشهوة عارضة مع بقاء أصل الدين تصديقًا وانقيادًا فذلك الكفر الأصغر الذي لا ينقل عن الملة، والمقصود بالانقياد الانقياد القلبي للحكم الشرعي وقبوله، فهذا الانقياد المتعلق بأصل الدين، أما تنفيذ ذلك عمليًّا فيتعلق بالإيمان الواجب، وليس بالإيمان المجمل الذي ينقسم عنده الناس إلى مسلمين وغير مسلمين.
وهذه مجرد عجالة في الرد على سؤالك بما أسعف به الوقت، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان الأخرى فأنا ملتزم في الجملة بما عليه السلف، أقرُّ بما به يقرون، وأدين بما به يدينون، فإن أخطأت في تحرير بعض أصولهم، أو فهمتها على غير وجهها فأستغفر الله من ذلك، وأنا راجع عنه في حياتي وبعد مماتي والقول ما قالوا، فقولهم أعلم وأسلم وأحكم، والله من وراء القصد. والله تعالى أعلى وأعلم.