كنت رجلًا كثيرً الغضب وكنت بعيدًا عن ديني، وكنت حين غضبي ألعن الرب والرسول والعياذ بالله من هذا الأمر، والحمد لله اهتديت وعلمت بأن هذا كفرٌ مخرج من الملة، وأنا كنت أظنه معصيةً ما دمت موحدًا بربي. أنا أؤمن بالله ورسوله، وكنت ألعنهما- والعياذ بالله- وأنا أعلم ما أتكلم به حين غضبي، رغم أنني كنت أعي ما أتكلم به لكنني لم أكن أعلم بأنه كفرٌ مخرج من الملة، بل كنت أظنه معصية. والآن الحمد لله تبت من ذلك، ومنعت نفسي. عندي سؤالان قد جالا بخاطري: 1- لو مت دون أن أتوب من ذلك فهل أكون ميتًا كافرًا وأخلد في النار رغم أني كنت موحدًا وأؤمن بالله ورسوله؟ بعد أن علمت أن هذا كفرٌ مخرج من الملة، حمدت ربي الذي جعلني أبحث عن حكم هذا الأمر، لكن أحيانا حين غضبي أنطق بتلك الكلمات، لكن دون قصد، فتأتي على لساني دون أن أتقصدها أبدًا، خاصة أنني قد تُبت من ذلك، لكنها تأتي على لساني حين غضبي جدًّا جدًّا، فيخبرني أبي أو أخي بأنني نطقتها في تلك اللحظة، وأنا لا أذكر ذلك، فهل هذا يجعلني كافرًا؟ أرجوك اخبرني، كل ما أتمناه هو أن لا أموت كافرًا. فهل من يغضب حتى ينغلق فكرُه يكون كلامه لغوًا أو يُحاسب بكلمات الكفر التي قالها وهو أصلًا لا يذكر أنه قالها، وهو يكرهها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فهذا الذي كان منك قبل توبتك كان كفرًا بالله عز وجل وردةٌ عن الدين، فأنت تقول: (وكنت حين غضبي ألعن الرب والرسول والعياذ بالله من هذا الأمر) وتؤكد فتقول: (كنت ألعنهما- والعياذ بالله- وأنا أعلم ما أتكلم به) ثم تتساءل (لو مت دون أن أتوب من ذلك فهل أكون ميتًا كافرًا وأخلد في النار رغم أني كنت موحدًا وأؤمن بالله ورسوله؟) والجواب عن ذلك بدهيُّ وجليُّ:
إن هذا ردةٌ مغلظة عن الإسلام، وكفر مزيد ظاهرًا وباطنًا بإجماع أهل العلم، ولا يشكُّ في ذلك مُسلم غيرُ مغلوب على عقله، وهو ينقض إيمانَ المؤمنين، وينقض أمانَ المعاهَدِين، ويُذهب عصمة الدماء والأموال. فالحمد لله الذي ردَّك إلى دينه، ووفقك إلى التوبة من هذه الردَّة المغلظة والكفر المزيد قبل الممات.
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب: 57].
يقول القاضي أبو يعلى: «من سبَّ الله أو سبَّ رسوله فإنه يكفر، سواء استحلَّ سبَّه أو لم يستحله»(1).
ويقول ابن راهويه: «قد أجمع المسلمون أن من سبَّ الله أو سبَّ رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئًا مما أنزل الله أو قتل نبيًّا من أنبياء الله أنه كافرٌ بذلك وإن كان مقرًّا بكل ما أنزل الله»(2).
ولا يحلُّ لك بحالٍ العودةُ إلى مثل هذه الردة المغلظة مرة أخرى، ولا يُقبل منك أن تعتذر بغضبٍ أو نزق ونحوه، اللهم إلا إذا كنت في حالة إغلاقٍ تامٍّ، لا تعلم ما تقول ولا تقصد إليه، وكنت تهذي كالمجنون فتلكَ قضيةٌ أخرى، وأمرك فيها مفوضٌ إلى الله جل جلاله.
فأمسك عليك لسانَك وعظِّم اللهَ جل جلاله، ووقِّر نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، واعقد على ذلك قلبك، ولا تفرط فيه ولو مُزِّقت أو حُرِقت. والله تعالى أعلى وأعلم.
—————————–
(1) انظر «الصارم المسلول على شاتم الرسول» (3/957).
(2) انظر «الصارم المسلول على شاتم الرسول» (2/15).