ملاكمة النساء

ما هو الحكم الشرعي في ممارسة المرأة لرياضة الملاكمة؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الملاكمة بصورتها الحالية لا تجوز لا من الرجال ولا من النساء، لقيامها على أساس استباحة الإيذاء بين المتنافسين وفرح المشاهدين بما أصاب المتضرر من الأذى الذي قد يبلغ مبلغ الإصابات الحادة والتي قد تخلف عاهات مستديمة، ومثل هذا النوع من الرياضة تحرمه عموم النصوص التي تنهى عن الضرر والضرار والتي تحرم الإلقاء بالنفس إلى التهلكة.
ويزداد النهي ويتأكد إذا كان ذلك بين النساء لما يتضمنه من الضرر الذي لا تحتمله بنية المرأة من ناحية، ولما يترتب عليه من كشف العورات بمشهد من آلاف المشاهدين وهو الأمر الذي تقطع النصوص بتحريمه، وقد صدر من المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قرار بتحريم الملاكمة وهذا نصه:
القرار الثالث بشأن موضوع (الملاكمة والمصارعة الحرة ومصارعة الثيران):
يرى مجلس المجمع بالإجماع أن الملاكمة المذكورة التي أصبحت تمارس فعلًا في حلبات الرياضة والمسابقة في بلادنا اليوم هي ممارسة محرمة في الشريعة الإسلامية؛ لأنها تقوم على أساس استباحة إيذاء كل من المتغالبين للآخر إيذاء بالغًا في جسمه قد يصل به إلى العمى أو التلف الحاد أو المزمن في المخ أو إلى الكسور البليغة، أو إلى الموت، دون مسئولية على الضارب، مع فرح الجمهور المؤيد للمنتصر، والابتهاج بما حصل للآخر من الأذى، وهو عمل محرم مرفوض كليًّا وجزئيًّا في حكم الإسلام؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]، وقوله ﷺ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».
وعلى ذلك فقد نص فقهاء الشريعة على أن من أباح دمه لآخر فقال له: اقتلني. أنه لا يجوز له قتله، ولو فعل كان مسئولًا ومستحقًّا للعقاب.
وبناء على ذلك يقرر المجمع أن هذه الملاكمة لا يجوز أن تسمى رياضة بدنية ولا تجوز ممارستها؛ لأن مفهوم الرياضة يقوم على أساس التمرين دون إيذاء أو ضرر، ويجب أن تحذف من برامج الرياضة المحلية ومن المشاركات فيها في المباريات العالمية، كما يقرر المجلس عدم جواز عرضها في البرامج التلفازية كي لا تتعلم الناشئة هذا العمل السيئ وتحاول تقليده. اهـ. والله تعالى أعلى وأعلم.
ولا ينبغي أن يفهم ذلك على أنه نهي مطلق عن ممارسة المرأة حقها في المحافظة على لياقة بدنها بالرياضة، ولكنها تختار من ذلك ما يكون مناسبًا لرقة بنيتها من ناحية، وما ينأى بها عن كشف العورات وإبراز المفاتن أمام الأجانب من ناحية أخرى، كرياضة المشي ونحوه، والتي تعتبر أنفع ما تكون لكل من الرجال والنساء على حد سواء، وقد حددته منظمة الغذاء والدواء الأمريكية بعشرين دقيقة يوميًّا.
وقد جاء في «المسند» وسنن أبي داود وابن ماجه: عن هشام بن عروة، عن أبيه وعن أبي سلمة عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أنها كانت مع النبي ﷺ في سفر، قالت: فسابقته فسبَقْتُهُ على رِجْلَيَّ، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، فقال: «هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ»(1).
ولكن هذه المسابقة تمت في إطار من الحشمة الكاملة، نلحظ هذا من الرواية الأخرى لهذه الواقعة، ففي «مسند الإمام أحمد» عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: خرجتُ مع النبي ﷺ في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: «تَقَدَّمُوا». فتقدَّموا، ثم قال لي: «تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ». فسابقته فسبقتُهُ، فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: «تَقَدَّمُوا». فتقدموا، ثم قال: «تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ». فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: «هَذِهِ بِتِلْكَ»(2). هذا وبالله التوفيق، وهو تعالى أعلى وأعلم.

________________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/129) حديث (25025)، وأبو داود في كتاب «الجهاد» باب «في السبق على الرجل» حديث (2578)، وابن ماجه في كتاب «النكاح» باب «حشن معاشرة النساء» حديث (1979). وذكره الحافظ العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (1/393) وصحح إسناده، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (131).

(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/264) حديث (26320)، وصححه الألباني في «صحيح وضعيف سنن أبي داود» حديث (2578).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend