مشروعية الرهن سفرًا وحضرًا

ما مشروعيَّة الرهن حَضَرًا وسفرًا وأدلته؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الرهنَ هو المالُ الذي يُجعل وثيقةً بالدَّين، ليُستوفى من ثمنه إن تعذَّر استيفاؤه ممن هو عليه. والرهن مشروعٌ بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقولُه تعالى:﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ [البقرة: 283]. وأما السُّنة فقد ثبت أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم  اشترى طعامًا من يهُوديٍّ إلى أَجَلٍ ورهنه دِرعًا من حديدٍ(1).
وأجمع العلماءُ على مشروعيَّة الرهن في الجملة، وإن كانوا قد اختلفوا في مشروعيته في الحَضَر، فقال الجمهور: يُشرع في الحضر، كما يُشرع في السفر؛ لفِعل الرسول صلى الله عليه وسلم  له وهو مُقيم بالمدينة(2).
وأما تقيُّده بالسفر في الآية فإنه خرج مخرجَ الغالب، فإن الرهنَ غالبًا يكون في السفر، قال ابن حجرٍ: في قول البُخاري في التبويب للحديث بـ«في الحضر»: «فيه إشارة إلى أن التقييد بالسفر في الآية خرج للغالب، فلا مفهوم له؛ لدلالة الحديث على مشروعيته في الحضر، وهو قول الجمهور، واحتجُّوا له من حيث المعنى بأن الرهن شُرع توثقةً على الدَّين؛ لقوله تعالى:﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ﴾ [البقرة: 283]، فإنه يُشير إلى أن المرادَ بالرهن الاستيثاق؛ وإنما قيَّده بالسفر لأنه مَظِنَّة فَقْدِ الكاتب، فأخرجه مخرجَ الغالب. وخالف في ذلك مجاهدٌ والضحَّاك فيما نقله الطبريُّ عنهما فقالا: لا يُشرع إلا في السفر حيث لا يوجد الكاتب. وبه قال داود وأهل الظَّاهر. وقال ابن حزم: إن شَرَط المرتهنُ الرهنَ في الحضر لم يكن له ذلك، وإن تبرَّع به الراهنُ جاز، وحمل حديث الباب على ذلك»(3).
والحديث حجَّة عليهم، والحِكمة من تشريع الرهن ظاهرةٌ، فهو من الوسائل التي يستوثق بها صاحب الدَّين من دينه، فكما شرع اللهُ توثيقَ الدَّين بالكتابة شرع كذلك توثيقه بالرهن. ونسأل اللهَ لنا ولك التَّوْفيق. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_____________________

(1) سبق ذكره وتخريجه بالنسيئة» حديث (2069).

(2) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (21/63-64): «وفيه دليل: أن الرهن جائز في الحضر والسفر جميعًا، فإنه رهنه صلى الله عليه وسلم بالمدينة في حال إقامته بها بخلاف ما يقوله أصحاب الظواهر: أن الرهن لا يجوز إلا في السفر لظاهر قوله تعالى {: وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة}، والتعليق بالشرط يقتضي الفصل بين الوجود، والعدم، ولكنا نقول ليس المراد به الشرط حقيقة بل ذكر ما يعتاده الناس في معاملاتهم، فإنهم في الغالب يميلون إلى الرهن عند تعذر إمكان التوثق بالكتاب والشهود، والغالب أن يكون ذلك في السفر، والمعاملة الظاهرة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فالرهن في الحضر، والسفر دليل: على جوازه بكل حال».
وجاء في «المغني» من كتب الحنابلة (4/245-246): «فصل: ويجوز الرهن في الحضر، كما يجوز في السفر. قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا خالف في ذلك، إلا مجاهدا».
وجاء في «المنتقى» من كتب المالكية (5/248): «ليس من شرط الرهن السفر خلافا لمجاهد في قوله: لا يصح الرهن إلا في السفر، والدليل على ما نقوله أن كل وثيقة صحت في السفر فإنها تصح في الحضر كالكفالة».
وجاء في «شرح منتهى الإرادات» من كتب الحنابلة (2/103-104): «ويجوز حضرًا وسفرًا؛ لأنه روي أن ذلك كان بالمدينة، وذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب ولهذا لم يشترط عدم الكاتب».

(3) «فتح الباري» (5/140).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend