قرار مجمع الفقه الإسلارمي الدولي بشأن الأسواق الماليَّة

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الـمنعقد في دورة مؤتمره السَّابع بجدة في المملكة العربيَّة السعودية من (7- 12 ذي القعدة 1412هـ، الموافق 9- 14 أيار مايو 1992م)، بعد اطِّلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الأسواق الماليَّة (الأسهم، الاختيارات، السلع، بطاقة الائتمان)، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله قرَّر ما يلي:
أوَّلًا: الأسهم:
1- الإسهام في الشَّركات:
أ- بما أن الأصلَ في المعاملات الحِلُّ فإن تأسيسَ شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز.
ب- لا خلاف في حرمة الإسهام في شركاتٍ غرضها الأساسيُّ مُحرَّم، كالتَّعامل بالرِّبا أو إنتاج الـمُحرَّمات أو المتاجرة بها.
ج- الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحيانًا بالـمُحرَّمات، كالرِّبا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسيَّة مشروعة.
2- ضمان الإصدار: ضمان الإصدار هو الاتِّفاق عند تأسيس شركةٍ مع من يلتزم بضمان جميع الإصدار من الأسهم أو جزء من ذلك الإصدار، وهو تعهُّد من الملتزم بالاكتتاب في كلِّ ما تبقَّى مما لا يكتتب فيه غيره، وهذا لا مانع منه شرعًا إذا كان تعهُّد الملتزم بالاكتتاب بالقيمة الاسمية بدون مقابل لقاء التَّعهُّد، ويجوز أن يحصل الملتزمُ على مقابلٍ عن عملٍ يُؤدِّيه غير الضَّمان، مثل إعداد الدِّراسات وتسويق الأسهم.
3- تقسيط سداد قيمة السهم عند الاكتتاب: لا مانع شرعًا من أداء قسطٍ من قيمة السهم المكتتب فيه، وتأجيل سداد بقية الأقساط؛ لأن ذلك يُعتبر من الاشتراك بما عجل دَفْعه والتواعد على زيادة رأس المال، ولا يترتب على ذلك محظور؛ لأن هذا يشمل جميعَ الأسهم، وتظلُّ مسئولية الشَّركة بكامل رأس مالها المعلن بالنِّسْبة للغير؛ لأنه هو القدر الذي حصل العلم والرضا به من المتعاقدين مع الشَّركة.
4- السهم لحامله: بما أن المبيع في (السهم لحامله) هو حصة شائعة في موجودات الشَّركة، وأن شهادة السهم هي وثيقةٌ لإثبات هذا الاستحقاق في الحصة فلا مانع شرعًا من إصدار أسهم في الشَّركة بهذه الطَّريقة وتداولها.
5- محل العقد في بيع السهم: إن محلَّ المتعاقد عليه في بيع السهم هم الحصة الشائعة من أصول الشَّركة، وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحقِّ في تلك الحصة.
6- الأسهم الممتازة: لا يجوز إصدارُ أسهم ممتازة لها خصائص ماليَّة تُؤدِّي إلى ضمان رأس المال أو ضمان قدرٍ من الرِّبْح أو تقديمها عند التصفية أو عند توزيع الأرباح، ويجوز إعطاءُ بعض الأسهم خصائصَ تتعلَّق بالأمور الإجرائية أو الإدارية.
7- التَّعامل في الأسهم بطريقةٍ رِبَويَّة:
أ- لا يجوز شراءُ السهم بقرضٍ ربويٍّ يُقدِّمه السمسار أو غيرُه للمشتري لقاءَ رهن السهم؛ لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن، وهما من الأعمال الـمُحرَّمة بالنص على آكل الرِّبا وموكله وكاتبه وشاهديه(1).
ب- لا يجوز أيضًا بيعُ سهمٍ لا يملكه البائع، إنما يتلقَّى وعدًا من السمسار بإقراضه السهمَ في موعد التسليم؛ لأنه من بيع ما لا يملك البائعُ، ويقوى الـمَنْعُ إذا اشترط إقباض الثَّمَن للسمسار لينتفع به بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل الإقراض.
8- بيع السهم أو رهنه: يجوز بيعُ السهم أو رهنه مع مراعاة ما يقضي به نظام الشَّركة، كما لو تضمَّن النِّظام تسويغَ البيع مطلقًا أو مشروطًا بمراعاة أولوية المساهمين القدامى في الشِّراء، وكذلك يعتبر النص في النِّظام على إمكان الرهن من الشركاء برهن الحصة المشاعة.
9- إصدار أسهمٍ مع رسوم إصدار: إن إضافةَ نسبة مُعيَّنة مع قيمة السهم لتغطية مصاريف الإصدار لا مانع منها شرعًا ما دامت هذه النِّسْبة مقدَّرة تقديرًا مناسبًا.
10- إصدار أسهم بعلاوة إصدار أو حسم (خصم) إصدار: يجوز إصدار أسهمٍ جديدة لزيادة رأس مال الشَّركة إذا أصدرت بالقيمة الحقيقيَّة للأسهم حسب تقويم الخبراء لأصول الشَّركة أو بالقيمة السوقية.
11- ضمان الشَّركة شراء الأسهم: يرى المجلسُ تأجيلَ إصدار قرار في هذا الموضوع لدورة قادمة لمزيد من البحث والدِّراسة.
12- تحديد مسئولية الشَّركة المساهمة المحدودة: لا مانع شرعًا من إنشاء شركة مساهمة ذات مسئولية مُحدَّدة برأس مالها؛ لأن ذلك معلومٌ للمتعاقدين مع الشَّركة، وبحصول العلم ينتفي الغرر عمن يتعامل مع الشَّركة، كما لا مانع شرعًا من أن تكونَ مسئولية بعض المساهمين غير محدودة بالنِّسْبة للدائنين بدون مقابل لقاء هذا الالتزام، وهي الشَّركات التي فيها شركاء متضامنون وشركاء محدودو المسئولية.
13- حصر تداول الأسهم بسماسرة مرخصين، واشتراط رسوم للتَّعامل في أسواقها: يجوز للجهات الرسميَّة المختصة أن تُنظم تداولَ بعض الأسهم، بألا يتمَّ إلا بواسطة سماسرة مخصوصين ومرخصين بذلك العمل؛ لأن هذا من التَّصرُّفات الرسميَّة المحقِّقة لمصالح مشروعة، وكذلك يجوز اشتراط رسوم لعضوية المتعامل في الأسواق الماليَّة؛ لأن هذا من الأمور التنظيميَّة المنوطة بتحقيق المصالح المشروعة.
14- حقُّ الأولوية: يرى المجلس تأجيلَ البتِّ في هذا الموضوع إلى دورةٍ قادمة لمزيد من البحث والدِّراسة.
15- شهادة حقِّ التملُّك: يرى المجلس تأجيلَ البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدِّراسة.
ثانيًا: الاختيارات:
أ- صورة عقود الاختيار: إن المقصودَ بعقود الاختيارات الاعتياضُ عن الالتزام ببيع شيءٍ محدَّدٍ موصوف أو شرائه بسعرٍ محدد خلال فترة زمنية مُعيَّنة أو في وقت معين، إمَّا مباشرة أو من خلال هيئة ضمانية لحقوق الطرفين.
ب – حكمها الشَّرعيُّ: إن عقود الاختيارات- كما تجري اليوم في الأسواق الماليَّة العالميَّة- هي عقود مستحدثة لا تنضوي تحت أيِّ عقد من العقود الشَّرْعيَّة المسماة، وبما أن المعقودَ عليه ليس مالًا ولا منفعة ولا حقًّا ماليًّا يجوز الاعتياضُ عنه فإنه عقدٌ غير جائزٍ شرعًا، وبما أن هذه العقودَ لا تجوز ابتداءً فلا يجوز تداولها.
ثالثًا: التَّعامل بالسلع والعملات والمؤشرات في الأسواق الـمُنظَّمة:
1- السلع: يتمُّ التَّعامل بالسلع في الأسواق الـمُنظَّمة بإحدى أربع طرق، هي التَّالية:
الطَّريقة الأولى: أن يتضمَّن العقدُ حقَّ تسليم المبيع وتسليم الثَّمَن في الحال، مع وجود السلع أو إيصالات ممثلة لها في ملك البائع وقبضه، وهذا العقد جائزٌ شرعًا بشروط البيع المعروفة.
الطَّريقة الثَّانية: أن يتضمَّن العقدُ حقَّ تسليم المبيع وتسليم الثَّمَن في الحال مع إمكانهما بضمان هيئة السوق، وهذا العقد جائزٌ شرعًا بشروط البيع المعروفة.
الطَّريقة الثَّالثة: أن يكونَ العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذِّمَّة في موعدٍ آجِلٍ ودفع الثَّمَن عند التسليم، وأن يتضمَّن شرطًا يقتضي أن ينتهي فعلًا بالتسليم والتسلم. وهذا العقد غيرُ جائزٍ لتأجيل البدلين، ويُمكن أن يُعدَّل ليستوفي شروطَ السَّلَم المعروفة، فإذا استوفى شروط السلم جاز، وكذلك لا يجوز بيعُ السِّلعة المشتراة سلمًا قبل قبضها.
الطَّريقة الرَّابعة: أن يكونَ العقدُ على تسليم السِّلعة موصوفةً في الذِّمَّة في موعدٍ آجِلٍ ودفع الثَّمَن عند التسليم، دون أن يتضمَّن العقد شرطًا يقتضي أن ينتهي بالتسليم والتسلم الفعليين، بل يُمكن تصفيته بعقد معاكسٍ. وهذا هو النَّوع الأكثر شيوعًا في أسواق السلع، وهذا العقد غير جائزٍ أصلًا.
2 – التَّعامل بالعملات: يتمُّ التَّعامل بالعملات في الأسواق الـمُنظَّمة بإحدى الطُّرُق الأربع المذكورة في التَّعامل بالسلع، ولا يجوز شراءُ العملات وبيعها بالطَّريقتين الثَّالثة والرَّابعة، أمَّا الطَّريقتان الأولى والثَّانية فيجوز فيهما شراءُ العملات وبيعها بشرط استيفاء شروط الصرف المعروفة.
3 – التَّعامل المؤشر: المؤشر هو رقم حسابيٌّ يُحسب بطريقة إحصائية خاصَّة يُقصد منه معرفة حجم التَّغيُّر في سوق مُعيَّنة، وتجري عليه مبايعات في بعض الأسواق العالميَّة، ولا يجوز بيع وشراء المؤشر؛ لأنه مقامرة بحتة، وهو بيع شيءٍ خياليٍّ لا يُمكن وجوده.
4 – البديل الشَّرعيُّ للمعاملات الـمُحرَّمة في السلع والعملات: ينبغي تنظيمُ سوق إسلاميَّة للسلع والعملات على أساس المعاملات الشَّرْعيَّة وبخاصَّة بيع السلم، والصرف، والوعد بالبيع في وقت آجلٍ، والاستصناع، وغيرها. ويرى المجمع ضرورةَ القيام بدراسة وافية لشروط هذه البدائل وطرائق تطبيقها في سوق إسلاميَّة منظمة.

 

قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بمكَّة المكرمة حول سوق الأوراق الماليَّة الصادر (1404هـ):
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، سيدنا ونبيِّنا محمد وآله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. وبعد:
فإن مجلسَ المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في موضوع سوق الأوراق الماليَّة والبضائع (البورصة) وما يعقد فيها من عقود- بيعًا وشراءً- على العملات الورقية وأسهم الشَّركات وسندات القروض التِّجارية والحكومية والبضائع، وما كان من هذه العقود على معجَّل، وما كان منها على مؤجل، كما اطَّلع مجلس المجمع على الجوانب الإيجابية المفيدة لهذه السوق في نظر الاقتصاديين والمتعاملين فيها، وعلى الجوانب السلبية الضارة فيها.
أ- فأما الجوانب المفيدة فيها:
أوَّلًا: أنها تُقيم سوقًا دائمة تُسهِّل تلاقي البائعين والمشترين، وتعقد فيها العقود العاجلة والآجلة على الأسهم والسندات والبضائع.
ثانيًا: أنها تُسهِّل عمليَّة تمويل المُؤسَّسات الصِّناعية والتِّجارية والحكوميَّة عن طريق طرح الأسهم وسندات القروض للبيع.
ثالثًا: أنها تُسهِّل بيعَ الأسهم وسندات القروض للغير والانتفاع بقيمتها؛ لأن الشَّركات المصدرة لا تصفي قيمتها لأصحابها.
رابعًا: أنها تُسهِّل معرفة ميزان أسعار الأسهم وسندات القروض والبضائع وتموجاتها في ميدان التَّعامل عن طريق حركة العرض والطَّلَب.
ب- وأما الجوانب السلبيَّة الضارة في هذه السوق فهي:
أوَّلًا: أن العقود الآجلة التي تجري في هذه السوق ليست في معظمها بيعًا حقيقيًّا ولا شراءً حقيقيًّا؛ لأنه لا يجري فيها التَّقابُض بين طرفي العقد فيما يشترط له التَّقابُض في العوضين أو في أحدهما شرعًا.
ثانيًا: أن البائع فيها غالبًا يبيع ما لا يملك من عملات وأسهم أو سندات قروض أو بضائع، على أمل شرائه من السُّوق وتسليمه في الموعد دون قبض الثَّمَن عند العقد كما هو الشَّرْط في السلم.
ثالثًا: أن المشتري فيها غالبًا يبيع ما اشتراه لآخر قبل قبضه، والآخر يبيعه أيضًا لآخر قبل قبضه، وهكذا يتكرَّر البيع والشِّراء على الشَّيْء ذاته قبل قبضه إلى أن تنتهي الصَّفقة إلى المشتري الأخير الذي يُريد أن يستلم المبيع من البائع الأوَّل والذي يكون قد باع ما لا يملك، أو أن يحاسبه على فرق السعر في موعد التنفيذ وهو يوم التصفية، بينما يقتصر دَوْر المشترين والبائعين غير الأوَّل والأخير على قبض فرق السعر في حالة الربح أو دفعه في حالة الخسارة في الموعد المذكور كما يجري بين المقامرين تمامًا.
رابعًا: ما يقوم به المتمولون من احتكار الأسهم والسَّنَدات والبضائع في السُّوق للتحكم في البائعين الذين باعوا ما لا يملكون على أمل الشِّراء قبل موعد تنفيذ العقد بسعرٍ أقل والتسليم في حينه وإيقاعهم في الحرج.
خامسًا: أن خطورةَ السُّوق الماليَّة هذه تأتي من اتِّخاذها وسيلةً للتَّأثير في الأسواق بصفةٍ عامَّة؛ لأن الأسعارَ فيها لا تعتمد كليًّا على العرض والطَّلَب الفعليين من قِبَل المحتاجين إلى البيع أو إلى الشِّراء، وإنما تتأثَّر بأشياءَ كثيرةٍ بعضها مفتعل من المهيمنين على السُّوق أو من المحتكرين للسلع أو الأوراق الماليَّة فيها كإشاعةٍ كاذبة أو نحوها، وهنا تكمن الخطورة المحظورة شرعًا؛ لأن ذلك يُؤدِّي إلى تقلبات غير طبيعيَّة في الأسعار مما يؤثِّر على الحياة الاقتصاديَّة تأثيرًا سيئًا.
وعلى سبيل المثال لا الحصر: يعمد كبار المموِّلين إلى طرح مجموعة من الأوراق الماليَّة من أسهم أو سندات قروض، فيهبط سعرها لكثرة العرض فيسارع صغارُ حملة هذه الأوراق إلى بيعها بسعرٍ أقل خشية هبوط سعرها أكثر من ذلك وزيادة خسارتهم، فيهبط سعرها مجدَّدًا بزيادة عرضها فيعود الكبار إلى شراء هذه الأوراق بسعرٍ أقل بغية رفع سعرها بكثرة الطَّلَب، وينتهي الأمر بتحقيق مكاسب للكبار وإلحاق خسائر فادحة بالكثرة الغالبة وهو صغار حملة الأوراق الماليَّة نتيجة خداعهم بطرحٍ غير حقيقيٍّ لأوراقٍ مماثلة.
ويجري مثل ذلك أيضًا في سوق البضائع؛ ولذلك قد أثارت سوق البورصة جدلًا كبيرًا بين الاقتصاديين، والسَّبَب في ذلك أنها سببت في فترة مُعيَّنة من تاريخ العالم الاقتصادي ضياع ثروات ضخمة في وقتٍ قصير بينما سبَّبت غنًى للآخرين دون جهدٍ، حتى إنهم في الأزمات الكبيرة التي اجتاحت العالم طالب الكثيرون بإلغائها؛ إذ تذهب بسببها ثرواتٌ وتنهار أوضاع اقتصاديَّة في الهاوية وفي وقت سريعٍ كما يحصل في الزلازل والانخسافات الأرضية.
لذلك كلِّه؛ فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بعد اطِّلاعه على حقيقة سوق الأوراق الماليَّة والبضائع (البورصة) وما يجري فيها من عقودٍ عاجلة وآجلة على الأسهم وسندات القروض والبضائع والعملات الورقية، ومناقشتها في ضوء أحكام الشَّريعة الإسلاميَّة يُقرِّر ما يلي:
أوَّلًا: أن غايةَ السُّوق الماليَّة (البورصة) هي إيجاد سوق مُستمرَّة ودائمة يتلاقى فيها العرض والطَّلَب والمتعاملون بيعًا وشراءً، وهذا أمر جيد ومفيد، ويمنع استغلال المحترفين للغافلين والمسترسلين الذين يحتاجون إلى بيع أو شراء ولا يعرفون حقيقة الأسعار ولا يعرفون المحتاج إلى البيع ومن هو المحتاج للشراء، ولكن هذه المصلحة الواضحة يُواكبها في الأسواق المذكورة (البورصة) أنواع من الصفقات المحظورة شرعًا والمقامرة والاستغلال وأكل أموال النَّاس بالباطل؛ ولذلك لا يُمكن إعطاءُ حكم شرعيٍّ عامٍّ بشأنها؛ بل يجب بيانُ حكم المعاملات التي تجري فيها كل واحدة منها على حدة.
ثانيًا: أن العقودَ العاجلة على السلع الحاضرة الموجودة في ملك البائع التي يجري فيها القبض فيما يشترط له القبض في مجلس العقد شرعًا هي عقود جائزة، ما لم تكن عقودًا على مُحرَّم شرعًا، أمَّا إذا لم يكن المبيع في ملك البائع فيجب أن تتوفَّر فيه شروط بيع السلم، ثم لا يجوز للمشتري بعد ذلك بيعُه قبل قبضه.
ثالثًا: أن العقودَ العاجلة على أسهم الشَّركات والمُؤسَّسات حيث تكون تلك الأسهم في ملك البائع جائزة شرعًا، ما لم تكن تلك الشَّركات أو المُؤسَّسات موضوعُ تعاملها مُحرَّم شرعًا، كشركات البنوك الرِّبَويَّة وشركات الخمور، فحينئذٍ يَحْرُم التَّعاقد في أسهمها بيعًا وشراءً.
رابعًا: أن العقودَ العاجلة والآجلة على سندات القروض بفائدةٍ بمختلف أنواعها غير جائزة شرعًا؛ لأنها معاملات تجري بالرِّبا الـمحرم.
خامسًا: أن العقودَ الآجلة بأنواعها، التي تجري على المكشوف، أي على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع، بالكيفيَّة التي تجري في السُّوق الماليَّة (البورصة) غير جائزةٍ شرعًا؛ لأنها تشتمل على بيع الشَّخْص ما لا يملك اعتمادًا على أنه سيشتريه فيما بعد ويُسلِّمه في الموعد، وهذا منهيٌّ عنه شرعًا؛ لما صَحَّ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»، وكذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسنادٍ صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه : أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  نهى أن تُباع السلع حيث تبتاع حتى يَحُوزها التُّجَّار إلى رِحالهم(1).
سادسًا: ليست العقودُ الآجلة في السُّوق الماليَّة (البورصة) من قبيل بيع السلم الجائز في الشَّريعة الإسلاميَّة؛ وذلك للفرق بينهما من وجهين:
أ- في السُّوق الماليَّة (البورصة) لا يُدفع الثَّمَن في العقود الآجلة في مجلس العقد، وإنما يُؤجَّل دفع الثَّمَن إلى موعد التصفية، بينما الثَّمَن في بيع السَّلَم يجب أن يُدفع في مجلس العقد.
ب- في السُّوق الماليَّة (البورصة) تُباع السِّلعة المتعاقد عليها وهي في ذمَّة البائع الأول وقبل أن يحوز المشتري الأول عِدَّة بيوعات، وليس الغرض من ذلك إلا قبض أو دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشترين غير الفعليين، مخاطرةً منهم على الكسب والربح، كالمقامرة سواء بسواء، بينما لا يجوز بيع المبيع في عقد السلم قبل قبضه.
وبناء على ما تقدَّم يرى المجمع الفقهي الإسلاميُّ أنه يجب على المسئولين في البلاد الإسلاميَّة ألا يتركوا أسواقَ البورصة في بلادهم حُرَّةً تتعامل كيف تشاء في عقودٍ وصفقات؛ سواءٌ أكانت جائزة أم مُحرَّمة، وألا يتركوا للمتلاعبين بالأسعار فيها أن يفعلوا ما يشاءون، بل يُوجبوا فيها مراعاة الطُّرُق المشروعة في الصَّفَقات التي تعقد فيها، ويمنعوا العقود غير الجائزة شرعًا؛ ليحولوا دون التلاعب الذي يجرُّ إلى الكوارث الماليَّة ويخرب الاقتصاد العام ويلحق النكبات بالكثيرين؛ لأن الخيرَ كلَّ الخير في التزام طريق الشَّريعة الإسلاميَّة في كلِّ شيء، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153].
والله سبحانه هو وليُّ التَّوفيق، والهادي إلى سواء السَّبيل، وصلى الله على سيدنا ونبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

________________

(1) أخرجه أبو داود في كتاب «البيوع» باب «في بيع الطعام قبل أن يستوفِـيَ» حديث (3499)، وذكره ابن الملقن في «البدر المنير» (7/142)، وحسنه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» حديث (3499).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع, 06 قضايا فقهية معاصرة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend