ما هو الرَّأْي الشَّرْعيُّ في صندوقِ تأمينٍ للعاملين طبقًا للآتي:
أولًا: موارد الصُّنْدوق:
1- اشتراكات شهريَّة تُخصَم من رواتب المشتركين بواقع 9 %.
2- مساهمة سنويَّة من الشركة بواقع خمسِمائة ألف جنيهٍ.
3- تبرُّعات من سيارات نَقْل الـمُنتَج بواقع عَشَرة جنيهاتٍ من كلِّ سيارة.
4- عوائد شهادات الإيداع والاستثمارات بالبنوك.
ملحوظة: يُشرَف على الصُّنْدوق وله لائحةٌ تَنُصُّ على أن يُستثمَرَ جزءٌ من أموال الصُّنْدوق بحدٍّ أدنى 30 % في شراء شهادات استثمار بالبنك الأهلى؛ لذا تمَّ استثمارُ أموال الصُّنْدوق كالآتى:
1) 30 % بحدٍّ أقصى لقيمة شهادات استثمار بالبنك الأهلى (إلزاميَّة).
2) باقي الأموال مُستثمرَةٌ بالبنوك الإسلاميَّة (اختياريَّة).
ثانيًا: التَّعويضات والمزايا:
1- يصرف الصُّنْدوقُ للعامل عند الخروج على المعاش أو الوفاة خمسةَ عَشَرَ شهرًا مكافأةً إضافة إلى شهرٍ ونصفِ الشهر عن كلِّ سنةِ خدمةٍ، وأيضًا حالات العجز بنسب متفاوتة.
2- يُساهم الصُّنْدوقُ في 50% من مصروفات العمليات الجراحيَّة والكوارث للمشتركين بحدٍّ أقصى خمسمائة جنيه للحالة، مع العِلْمِ بأن الاشتراكَ في الصُّنْدوق اختياريٌّ للعاملين بالشركة.
فإذا كان رأيُ فضيلتكم بحِلِّ المسألة فاسمحوا لنا أن نسأل السُّؤالين التَّاليين:
السُّؤال الأول: يقوم صندوقُ التأمين للعاملين بتمويلِ شراءِ سِلَعٍ مُعمِّرةٍ لِـمُدَّة شهرٍ كلَّ عامٍ بالنِّظام الآتي:
• التعاقد مع بعض تُجَّار السِّلَع المُعمِّرة لتسليم المشتركين ما يحتاجونه من سِلَعٍ مُعمِّرة.
• يقوم الصُّنْدوقُ بسداد قيمةِ ما تمَّ تسليمُه للعاملين في نهاية كلِّ أسبوعٍ.
• الحدُّ الأقصى المسموحُ الشِّراءُ به للعامل في حدود 75 من جملة ما تمَّ خَصْمُه من اشتراكاتٍ من العامل من تاريخ اشتراكه بالصُّنْدوق حتى تاريخِ حصوله على السلعة.
• يُضاف 8% على قيمة السِّلْعة طبقًا لقرار مجلس الإدارة تنفيذًا لتعليمات الهيئة المصرية للرقابة على التأمين.
السُّؤال الثاني: بعضُ المشتركين يرغبون في شراء مصوغات ذهبيَّة بالتقسيط طبقًا لما سبق ذِكْرُه. فهل هذا جائزٌ؟ والسَّلام عليكم ورحمةُ الله وبَرَكاتُه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن صِيَغَ التأمين ليست سواءً، ولكلِّ صيغةٍ حُكْمُها:
• فمنها التأمين التجاريُّ الذي يُراد به الاسترباح، وتُنظِّمه قوانينُ التأمين التجاريُّ وتُمارسُه شركاتُه، بحيث تكون الشركةُ طرفًا أصيلًا فيه يلتزم بدَفْع مبلغِ التأمين في حالة وقوع الخطر المُؤمَّن منه في مقابل قيام المستأمن بدفع أقساطٍ محددة طوال فترة التأمين، وهذا من العقود الفاسدة بسبب ما شابها من الغَرَر والجهالة وغير ذلك من أسباب الفساد، والأصلُ في هذه الصِّيغة الاجتنابُ إلا إذا ألزمت بها القوانين السارية.
• ومنها التأمين الاجتماعيُّ الذي لا يُقصَد به الرِّبح، بل الرِّعاية الاجتماعيَّة أو الصحيَّة للمستفيدين منه، وتتولَّاه عادةً الدولُ والشَّرِكات والمؤسَّسات العامَّة، وذلك باستقطاع حصةٍ من راتب الموظف مع حصةٍ من المؤمِّن أو بدونها طوالَ مدة عمله، والأصلُ في هذه الصِّيغة أنها مشروعةٌ، ولهذا يجوز الانتفاعُ بها لقيامها في الجملة على فكرةٍ مشروعةٍ، مع تجنُّب ما يَغْشَى تطبيقَها من أعمالٍ غيرِ مشروعة، كالاستثمارات الرِّبَوِيَّة ونحوها.
• ومنها التأمين الإسلاميُّ ويُشبِهُه في بعض خصائصه التأمينُ التكافليُّ أو التعاونيُّ، ويقوم على التَّبرُّع والتعاون وبَذْل المنافع، ويكون دورُ الشركة فيه هو دورَ الوكيل في إدارة عمليات التأمين والمُضارِبِ في استثمار أمواله، وهذه الصِّيغة من العقود المشروعة، فيجوز الانتفاعُ به والتعاون مع مؤسَّساته إذا التزمَتْ بقيةَ الضوابط الشَّرْعية في استثمار أموال التأمين.
والذي يظهر لي من خلال استعراض الصِّيغة الواردة في السُّؤال أنها من صيغ التأمين الاجتماعيِّ الذي لا يُراد به الاسترباح، بل كفالة العاملين ورعاية شئونهم المستقبليَّة، فإن صحَّ ذلك فلا حرج فيما يظهر في الاستفادة من هذه الصِّيغة، مع تَجَنُّب ما تُلزم به القوانين من استثماراتٍ ربَوِيَّة، أي أن يتخلَّص كلُّ مُستفيدٍ من نسبةٍ مما قسم له مقابل هذه النِّسْبة الرِّبَوِيَّة التي شارَكَتْ في صناعة موارد هذه الصِّيغة، ثم يُوجِّه هذا القدرَ إلى أحد المصارف العامَّة.
أمَّا شراؤه لبعض السِّلَع المُعمِّرة وتقسيط أثمانها للمنتفعين فيُمكن تصحيحُها على أساس عقد المرابحة للآمر بالشِّراء، وذلك بأن يتملَّك الصُّنْدوقُ هذه السِّلَع ثم يُعيد بَيْعَها للعاملين مقابل رِبحٍ معلوم، مع تقسيط الثَّمَن على النَّحْو الذي يتَّفقون عليه، وهي الصِّيغة التي تتعامل بها المصارف الإسلاميَّة، فإذا تمَّ ترتيبُ المعاملة على هذا النَّحْو كانت معاملةً مشروعة.
أما شراءُ مصوغاتٍ ذهبيَّةٍ بالتقسيط بهذا النِّظام فلا يَحِلُّ؛ لأن الذهبَ والفضةَ لا يجوز بَيْعَهما نسيئةً، بل لابُدَّ فيهما من التقابض عند السواد الأعظم من أهل العِلْمِ؛ لما أخرجه مسلمٌ في «صحيحه» عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النَّبيَّ ﷺ قال: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْـمِلْحُ بِالْـمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ»(1). ونظائرُ هذا الحديث في السُّنَّة المطهرة كثيرةٌ. زادكم اللهُ حِرْصًا وتوفيقًا، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «المساقاة» باب «الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا» حديث (1587).