شراء منزل عن طريق قرض ربوي، بدلًا من خسائر الإيجار

أرجو إفتائي بحكم وشرعية شراء منزل في أمريكا عن طريق البنوك الأمريكية، علمًا أن الإيجار هو أمر مشابه فالدفعة الشهرية للإيجار هي 800 دولار والقسط الشهري للبنك عند الشراء هو 800 دولار بدون دفعة أولى، ففي الإيجار سأبقى أدفع الإيجار ما دمت أعيش في نفس البيت وهو ليس بيتي، بينما الأمر بالعكس في الشراء، سأبقى أدفع القسط إلى أجل محدود من الزمن وفي النهاية هو لي. فأرجو منكم الشرح والتفصيل مع الإيضاح. أفتوني أفادكم الله.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن شراء البيوت في أمريكا عن طريق بنوكها الربوية يتضمن قروضًا بزيادة، وهو ربا النسيئة التي أجمعت الأمة على تحريمه سلفًا وخلفًا، ومثل هذا الحكم ينطبق على شراء البيوت عن طريق القروض الربوية سواء أكان هذا داخل أمريكا أم كان خارجها.
فالربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع، وهو من الكبائر، ومن السبع الموبقات، ولم يؤذن الله تعالى في كتابه عاصيًا بالحرب سوى آكل الربا، ومن استحله فقد كفر لإنكاره معلومًا من الدين بالضرورة، أما من تعامل بالربا من غير أن يكون مستحلًّا له فهو فاسق.
قال الماوردي وغيره: إن الربا لم يحل في شريعة قط لقوله تعالى: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ [النساء: 161] يعني في الكتب السابقة.
ودليل التحريم من الكتاب قول الله تبارك وتعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275]، وقوله عز وجل: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة: 275].
قال السرخسي: ذكر الله تعالى لآكل الربا خمسًا من العقوبات:
إحداها: التخبط. قال الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ الثانية: المَحق. قال تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا [البقرة: 276] والمراد الهلاك والاستئصال، وقيل: ذهاب البركة والاستمتاع حتى لا ينتفع به، ولا ولده بعده.
الثالثة: الحرب. قال الله تعالى: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة: 279].
الرابعة: الكفر. قال الله تعالى: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 278]، وقال سبحانه بعد ذكر الربا: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة: 276]. أي: كفار باستحلال الربا، أثيم فاجر بأكل الربا.
الخامسة: الخلود في النار. قال تعالى: وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 275].
ودليل التحريم من السنة أحاديث كثيرة، منها:
ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْـمُوبِقَاتِ». قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشِّرْكُ بِالله وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْـحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْـمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْـمُؤْمِنَاتِ».
وما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله ب قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا ومُؤْكِلَه وكاتبه وشاهديه وقال: «هُمْ سَوَاءٌ».
وأجمعت الأمة على أصل تحريم الربا. وإن اختلفوا في تفصيل مسائله وتبيين أحكامه وتفسير شرائطه.
والاقتراض بالربا لا يترخص فيه إلا عند الضرورات، فمن كان تحت وطأة ضرورة لا سبيل إلى دفعها إلا من خلال الاقتراض الربوي فيرجى أن يكون في دائرة العفو، وليس من الضرورة ما ذكرت من أن الإيجار يفضي إلى ضياع المال المتمثل في الأجرة بينما التملك يفضي إلى حفظه، فإن هذا من جنس حسابات الأرباح والخسائر ولا علاقة له بمنطق الضرورة التي تبيح من المحظور ما يلزم لدفعها.
هذا وهناك محاولات جادة لتوفير بدائل شرعية في هذا المجال تقوم بها بعض الشركات الإسلامية ولكنها لا تزال في مرحلة النشأة والتطوير، فنوصيك بالمتابعة في هذا المجال كما نوصيك بالصبر على أمر الله عز وجل، ونذكرك بقول الله جل وعلا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴿2﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ [الطلاق: 2- 3].
ونحن إذًا نقدر لك حرصك على التحري وندعو الله لك بمزيد من التوفيق لنوصيك بالتمسك بالحق والتواصي به، والدعوة إليه والصبر عليه، وستجد عقبى ذلك بإذن الله عافية في بدنك وسعة في رزقك وصلاحًا في ذريتك وحسنًا في خاتمتك بإذن الله. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend