حكم لعب الشطرنج، وجوائز المسابقات

ما حكم لعب الشطرنج، وجوائز المسابقات؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن اللعبَ بالشِّطرنج إذا كان على عِوَضٍ أو شَغَل عن واجبٍ كالصَّلاة أو اشتمل على مُحرَّم كالكذب أو اليمين الكاذبة أو الخيانة أو الظلم أو الإعانة عليه أو غير ذلك من الـمُحرَّمات- فإنه حرامٌ بإجماع المسلمين.
أما إذا خلا عن هذه المفاسد فقد اختلف فيه أهلُ العِلْمِ، وجمهورُهم على منعه، ومما استدلُّوا به على منعه قولُه تعالى:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: 90، 91]، فكلُّ لَـهْوٍ دعا قليلُه إلى كثيره وأوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه وصدَّ عن ذِكْر الله وعن الصَّلاة فهو كشرب الخمر، وأوجب أن يكونَ حرامًا مثله»(1). اهـ.
وما رُوي عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه  أنه مَرَّ على قومٍ يلعبون بالشطرنج فقال: «ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟»(2). قال الإمام أحمد: «أصحُّ ما في الشطرنج قولُ عليٍّ رضي الله عنه »(3). اهـ.
وسُئل عبد الله بن عمر ب عن الشطرنج فقال: «هي شَرٌّ من النَّرْد»(4).
و«النرد» أو «النردشير» هو ما يُعرف الآن بالزَّهْر الذي تُلعب به الطاولة، وقد وردت الأحاديث بتحريمه؛ منها رواه أبو داود عن أبي موسى الأشعري أن رسولَ الله ﷺ قال: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ»(5).
وذهب الشافعيةُ إلى القول بالكراهة عند خلوِّه من هذه المفاسد، قال الشافعيُّ :: «أَكْرَهُ اللَّعبَ بها للخبر، واللَّعِبُ بالشِّطْرَنْج والـحَمَام بغير قِـمَارٍ وإن كَرِهْناه أَخَفُّ حالًا من النَّرْدِ»(6).
ونازع البُلقينيُّ من الشافعية في الكراهة وقال بإباحة الشطرنج إن خلت من مُحرَّم(7). ونُقِلَ اللعبُ بها عن سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيَّب، وجمعٍ من التابعين.
ومما اعتمد عليه من أباحها أو اقتصر على كراهتها أنها لعبةٌ تعتمد على التفكير والكَرِّ والفَرِّ وأخْذ الاحتياط من هجوم الخَصْم، ومُلاحظته في تحرُّكاته وتصرُّفاته في القِطَع التي يلعب بها، ومن هنا قالوا: إن لعبة الشطرنج تُعوِّد الإنسان التفكير والتدبير وأخْذ الأهبة للهجوم والدفاع بحسب تقديرٍ وتدبير، ومن هنا كان استثناؤها من بين الألعاب الداخلة في اللهو الـمُحرَّم.
وذَهَب المالكيةُ(8) إلى أن اللعبَ بها إن كان نادرًا فهو مكروهٌ، فإن أدمن اللعبَ بها سقطت شهادتُه.
والذي يظهر أن الإكثارَ منها لا يشرع، وأما القليل منها عند خلوِّها من المفاسد السَّابِقة مما يُتوسَّع فيه ويُغَضُّ عنه الطَّرْف.
أما المسابقات فلا يخفى أن الأصلَ في المسابقة في الخيل والإبل والسهام أنها مشروعةٌ بعوض أو بغير عوضٍ، ويدلُّ لذلك قولُ النَّبيِّ ﷺ: «لَا سَبَقَ(9)إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ»(10).
والسبق معناه: العوض، أي: لا عوض إلا في هذه الأمور الثلاثة. فلا يجوز أن يُبذل العوض بين المتسابقين إلا في هذه الأمور الثلاثة، إلا في خفٍّ أو نصلٍ أو حافرٍ.
ويُراد بالخف: الإبل، وبالنصل: السهام، وبالحافر: الخيل.
فكأن المعنى أنه لا تجوز مسابقةٌ بعوضٍ إلا في الإبل والخيل والسهام، فكلُّ مُغالَبة فيها عوض من الطرفين فإنها مَيسرٌ، ويُستثنى منها المسابقة على الخيل والإبل والسهام؛ فإنها مُستحبَّة.
والخلاف في اشتراط المحلل على قولين: القول الأول: مذهب الحنفية(11) والشافعية(12) والحنابلة(13) أنه يُشترط المحلل. القول الثَّاني: لا يُشترط، قال به شيخ الإسلام(14).
وقد قاس بعضُ أهل العِلْمِ ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية على ذلك المسابقات الدينية والعلمية وكلَّ ما فيه نصرة للدين وإظهارٌ لأعلامه، فإذا كان هناك مسابقةٌ علمية فيجوز أن تكونَ هذه المسابقة بعِوض وبدون عوض، سواءٌ كان ذلك العوض من المتسابقين كلِّهم أو من بعضِهم أو من غيرهم، ولا يُعَدُّ ذلك من القمار الـمُحرَّم، قال: «لأن الجهادَ في الإسلام كما يكون بالسيف والسِّنان يكون كذلك بالعلم والبيان؛ لقول الله تعالى:  ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 52]، يعني بالقُرْآن، وهذه الآية في سورة «الفرقان»، وهي سورة مكية، والجهاد الذي كان يُجاهد به النَّبيُّ ﷺ المشركين وكفارَ قريشٍ في مكة هو جهادُ العلم والبيان(15).
فإذا كانت المسابقةُ في أشياءَ علميةٍ كحفظ القُرْآن الكريم أو في أسئلة علميةٍ، فلا حرج في أن تكونَ المسابقةُ بعوضٍ، سواءٌ كان ذلك العِوض من المتسابقين أو من غيرهم، ويبقى ما سوى ذلك على أصل المنع إذا كان بعوضٍ. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_____________________

(1) «تفسير القرطبي» (6/291).

(2) أخرجه البيهقي في «الكبرى» (10/212) حديث (20718).

(3) انظر: «المغني» (10/172).

(4) أخرجه البيهقي في «الكبرى» (10/212) حديث (20723).

(5) أخرجه مالك في «موطئه» (2/958) حديث (1718)، وأحمد في «مسنده» (4/394) حديث (19539)، وأبو داود في كتاب «الأدب» باب «في النهي عن اللعب بالنرد» حديث (4938)، وابن ماجه في كتاب «الأدب» باب «اللعب بالنرد» حديث (3762)، والحاكم في «مستدركه» (1/114) حديث (160) من حديث أبي موسى الأشعري ، وقال الحاكم: «حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وذكره ابن الملقن في «البدر المنير» (9/631) وقال: «هذا الحديث صحيح».

(6) انظر «الأم» (8/419-420).

(7) جاء في «أسنى المطالب» من كتب الشافعية (4/343): «(فرع يكره الشطرنج) أي اللعب به… واحتج لإباحة اللعب به بأن الأصل الإباحة وبأن فيه تدبير الحروب، وللكراهة بأن صرف العمر إلى ما لا يجدي».

(8) جاء في «التاج والإكليل» من كتب المالكية (8/166): «(وإدامة شطرنج) من المدونة: من أدمن على اللعب بالشطرنج لم تجز شهادته وإن كان إنما هو المرة بعد المرة فشهادته جائزة إذا كان عدلا. وكره مالك اللعب بها وقال: هي أشد من النرد. وقال الأبهري: تجوز شهادة من لا يدمن على اللعب بالشطرنج إذ لا يخلو الإنسان من لهو ومزح يسير، وقد روينا عن جماعة من التابعين أنهم كانوا يلعبون بالشطرنج ا هـ ». 

(9) ما يُجعل من المال رهنًا على المسابقة.

(10) سبق تخريجه (2/474) حديث (10142).

(11) جاء في «بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (6/206): «(ومنها –من شروط جواز السباق-) أن يكون الخطر فيه من أحد الجانبين إلا إذا وجد فيه محللا حتى لو كان الخطر من الجانبين جميعا ولم يدخلا فيه محللا لا يجوز لأنه في معنى القمار نحو أن يقول أحدهما لصاحبه: إن سبقتني فلك علي كذا، وإن سبقتك فلي عليك كذا فقبل الآخر ولو قال أحدهما لصاحبه إن سبقتني فلك علي كذا وإن سبقتك فلا شيء عليك فهو جائز؛ لأن الخطر إذا كان من أحد الجانبين لا يحتمل القمار فيحمل على التحريض على استعداد أسباب الجهاد في الجملة بمال نفسه، وذلك مشروع كالتنفيل من الإمام وبل أولى؛ لأن هذا يتصرف في مال نفسه بالبدل، والإمام بالتنفيل يتصرف فيما لغيره فيه حق في الجملة وهو الغنيمة فلما جاز ذلك فهذا بالجواز أولى، وكذلك إذا كان الخطر من الجانبين ولكن أدخلا فيه محللا بأن كانوا ثلاثة لكن الخطر من الاثنين منهم ولا خطر من الثالث، بل إن سبق أخذ الخطر وإن لم يسبق لا يغرم شيئا، فهذا مما لا بأس به أيضا. وكذلك ما يفعله السلاطين وهو أن يقول السلطان لرجلين: من سبق منكما فله كذا فهو جائز لما بينا أن ذلك من باب التحريض على استعداد أسباب الجهاد خصوصا من السلطان فكانت ملحقة بأسباب الجهاد، ثم الإمام إذا حرض واحدا من الغزاة على الجهاد بأن قال: من دخل هذا الحصن أولا فله من النفل كذا ونحوه جاز كذا هذا، وبل أولى لما بينا».

وجاء في «حاشية ابن عابدين» من كتب الحنفية (6/402-405): «(إن شرط المال) في المسابقة (من جانب واحد وحرم لو شرط) فيها (من الجانبين) لأنه يصير قمارا (إلا إذا أدخلا ثالثا) محللا (بينهما) بفرس كفء لفرسيهما يتوهم أن يسبقهما وإلا لم يجز ثم إذا سبقهما أخذ منهما وإن سبقاه لم يعطهما وفيما بينهما أيهما سبق أخذ من صاحبه».

(12) جاء في «أسنى المطالب» من كتب الشافعية (4/230-231): «الشرط (الرابع أن يكون فيهم-المتسابقين- محلل) إذا شرط كل منهم الغنم والغرم وسمي محللا؛ لأنه يحلل العقد ويخرجه عن صورة القمار المحرم».
وجاء في «نهاية المحتاج» من كتب الشافعية (8/166-168): «(فإن شرط أن من سبق منهما فله على الآخر كذا لم يصح) لتردد كل بين أن يغنم ويغرم وهو قمار محرم (إلا بمحلل) كفء».

(13) جاء في «مطالب أولي النهى» من كتب الحنابلة (3/703-708): «(وإن أخرجا) – أي: المتسابقان – (معا؛ لم يجز)، تساويا أو تفاضلا؛ لأنه قمار؛ إذ لا يخلو كل منهما عن أن يغنم أو يغرم (إلا بمحلل لا يُخرج شيئا)».

(14) «مجموع الفتاوى» (28/ 22).

(15) «مجموع الفتاوى» (13/10).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع, 06 قضايا فقهية معاصرة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend