أنا وأسرتي لنا مكانان للسكن: الأول وهو مسكننا الدائم والأساسي وهو في قرية بجوار المدينة وهو عبارة عن بيت تمليك، الثاني وهو عبارة عن شقة إيجار قديم بدون مدة محددة في المدينة، كان عقده باسم والدي ثم انتقل لورثته أنا وأسرتي بعد وفاته، وهذه الشقة نستخدمها في حال نزولنا للمدينة لقضاء مصالح أو المبيت فيها لبعض الأيام.
وسؤالي هو: عرض علينا أصحاب الشقة مبلغًا من المال بدون طلب منا حتى نترك لهم الشقة:
1- فهل يجوز لنا أن نقبل هذا المال ونترك الشقة؟ هل هذا المال حلال؟
2- إذا كان المال حلال، فهل يجوز لنا أن نتفاوض معهم في المبلغ؛ لأنهم عرضوا مبلغًا بسيطًا لا يتناسب مع قيمة الشقة والعرف المتداول بين الناس؟
3- هل يجوز لنا أن نرفض المال ونبقي الشقة؟
4- كون الإيجار موروثًا، هل هذا يؤثر في شيء؟
5- بماذا تنصحنا؟ وجزاكم الله عنا كل الخير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
الامتداد القانوني لعقود الإيجار مستنده القانون وليس الشريعة، والأصل أن صاحب العقار حر في تأجيره لمن يشاء بعد انقضاء عقد الإجارة، وتلك مشكلة صنعتها القوانين، وترتبت عليها سلسلة من المظالم الفادحة، بلغت مبلغ أن العقار الذي تبلغ القيمة الحقيقية لإيجاره مئات الجنيهات لا تزال قيمته في هذه العقود بضعة جنيهات!
وكون هذا من جنس الظلم الفاحش وأكل أموال الناس بالباطل لا يخفى على أحد، ولكن حل هذه المشكلة ينبغي أن يكون من خلال الجهة التي صنعتها، ويحتاج بعد تراكمه عبر عقود متطاولة من السنين إلى تدابير محكمة ومرحلية، تضع في اعتبارها مختلف المصالح، وتنظر إلى مآلات الأمور، وتمضي على طريق الإصلاح بخطة راشدة.
وإلى أن توضع هذه التدابير فالذي ننصح به المستأجرين أن يتراضوا مع أصحاب هذه العقارات على قيمة إيجارية عادلة، وأن يُقيِّموا علاقاتهم بهم- سواء أقاموا في هذه العقارات، أم خرجوا منها وتقاضوا بعض المال لتدبير أوضاعهم بعد الانتقال- على أساس التراضي؛ إذ لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»(1)، وأن يعلموا أن الحلال ما أحله الله ورسوله لا ما أحلته شرائع البشر وأنظمتهم(2)، وأن حكم الحاكم وقضاء القاضي لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا، فما تراضى عليه الطرفان ساغ قبوله، وتبرأ الذمة بتموله، ولا ينبغي أن يكون الأمر موضع مساومة ومماكسة؛ لأن الأصل أنه لا حق للمستأجر في ذلك كله، لا سيما إذا كان قد أغناه الله من فضله وليس له إلى ذلك العقار حاجة أساسية. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) سبق تخريجه «مسنده» (5/72).
(2) فقد أخرج الترمذي في كتاب «اللباس» باب «ما جاء في لبس الفراء» حديث (1726)، وابن ماجه في كتاب «الأطعمة» باب «أكل الجبن والسمن» حديث (3367) من حديث سلمان رضي الله عنه ، قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء قال: «الْـحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْـحَرَامُ مَا حَرَّمَ االلهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِـمَّا عَفَا عَنْهُ»، وحسنه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (3367).