تصدق المدين عن الدائن بدلًا من رد دينه خوفًا من الإحراج

الأستاذ الدكتور صلاح، لي زميل أقترض منه وأردُّ له ما أقترضه، ولكنه نسي أنه أقرضني في مَرَّة وأنا الآخر نسيت؛ لأنني تعوَّدت أن أقترض وأرد، أعرف جيدًا الآية الكريمة في أواخر سورة «البقرة» عن كتابة الدَّين(1)، لكنني وجدتُ نفسي لم أَرُدَّ له قَرْضَه، علمًا بأننا ما زلنا على هذه الحال، لكن هناك مبلغ لا هو يذكره ولا أنا، وثِقَتُه بي تجعله متأكدًا من أنني أرد إليه كلَّ ما آخذه منه، أنا أدعو اللهَ أن يرزقه ويتجاوز عن ذلك لكن أنا أشعر بأني أغضبتُ الله، فهل يَحِل أن يكونَ له في كلِّ صدقة أتصدَّقها نصيب وأتصدَّق عنه من وقتٍ لآخر، أنا لا أستطيع أن أُخبره، فالأمر مُحرِجٌ جدًّا، أعرف أنني مذنب لكن أملي في الله كبير، أجبني بارك اللهُ فيك.

__________________

قال تعالى:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: 282]

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فهوِّن عليك يا بني، فإنك لم تتجانف لإثمٍ، وإن الله جلَّ وعلا قد وضع إثم الخطأ والنسيان عن هذه الأمة(1)، ولكن ينبغي عليك أن تَرُدَّ الحقوقَ، وليس في هذا ما يُحرج ولا ما يُشين، فإن النسيانَ من العوارض البشريَّة التي تَرِدُ على البشر جميعًا، لا يُستثنى من ذلك أحد؛ فأخبر صاحبك بهذا الأمر ورُدَّ إليه هذا المبلغ، وسوف يكبر لك هذا الصنيع، وتكبر في عينيه، فضلًا عما يتضمَّنه ذلك من براءة الذِّمَّة، فإن الذِّمَّة لا تبرأ إلا بردِّ الحقِّ إلى أهله متى امتُهد سبيلٌ إلى ذلك. زادك اللهُ حِرْصًا وتوفيقًا. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) فقد أخرج الحاكم في «مستدركه» (2/216) حديث (2801)، وابن حبان في «صحيحه» (16/202) حديث (7219)، والبيهقي في «الكبرى» (7/356) حديث (14871)، من حديث عبد الله بن عباس ب أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الـْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وقال البيهقي: «جود إسناده بِشر بن بكر وهو من الثقات».
وأخرج مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان أنه سبحانه وتعالى  لم يكلف إلا ما يطاق» حديث (126) من حديث ابن عباس ب قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: 284] قال: دخل قلوبهم منها شيء، لم يدخل قلوبهم من شيء. فقال النبي ﷺ: «قُولوا: سَمِعنَا وأطَعنَا وسلَّمنَا». قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286] قال: «قَد فعَلتُ». ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: 286] قال: «قد فعلت». ﴿وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا﴾ [البقرة: 286] قال: «قَد فعَلتُ».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend