شخص وجد آثارًا قديمةً في أرضه، قِطَعًا ذهبيَّة، والدَّولة تَحظُر بيعها، فهل يجوز له بيعُها؟ وما حكمها إذا كانت تماثيل؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فإن هذه الآثارَ القديمة من قبيل الرِّكاز، والركاز: هو ما وُجد من دفائن الجاهليَّة، أي: ما وُجد مدفونًا وعليه علامةٌ من علامات الجاهليَّة، كأسماء ملوكِهم أو عواصم حضاراتهم، أو تواريخ قديمةٍ تدلُّ على أنه من دَفْن الجاهلية، فهذا هو الذي يُسمَّى عند العلماء بالرِّكاز، والواجب فيه هو الخُمسُ(1).
وقد اختلف العلماء في الرَّكاز: هل هو فَيْءٌ أو أنه زكاة؟ على قولين:
فمِن أهل العلم من قال: هو زكاة، واعتُبر الخُمس الذي يُخرَج منه هو المقدار الواجب إخراجه، وعلى هذا القول يكون الرِّكاز: أعلى مقدار يُخْرَجُ في الزَّكاة.
القول الثَّاني: اعتبار الرِّكاز من قبيل الفَيْء، وهذا هو القول الأظهر والله تعالى أعلم؛ وذلك لأنه لا تنطبق عليه أحكام الزَّكاة؛ فلا يشترط أن يكون من مالٍ معيَّن، ولا يُشترط فيه النِّصاب، ويجب فيه الخُمس، ومصرفه مصرف الفَيْء الذي قال الله تعالى فيه: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الحشر: 7].
فالأقرب: أنه من قبيل الفَيْء، وليس من قبيل الزَّكاة. والفَيْء: هو ما أُخذ من الكفار بغير قتالٍ؛ والواجب فيه: الخُمس.
ولكن إذا وجد عليه علاماتٍ تدلُّ على أنه من دَفْن المسلمين، وليس من دفن الجاهلية؛ فإنه لا يُعتبر ركازًا، بل يُعتبر لُقَطةً، وتجري عليه أحكام اللقطة، فيجب عليه أن يُعرِّفَه سَنَةً، فإن أتى صاحبُه وإلا أخذه(2).
وبناءً على ما سبق فإن الأصلَ في هذا المال الذي وجد عليه ما يدلُّ على أنه من دفائن الجاهلية وآثارها أنه من قبيل الفيء، فيُخرج خُمسه ثم يتملَّك الباقي. وإذا حظرت الدَّولة تملُّكَه وخشي من وقوعه تحت طائلة القانون فلا ينبغي له أن يُذِلَّ نفسَه بأن يُعرِّضها لما لا تُطيق من البلاء، بل يؤدِّي إليهم حقَّهم ويسأل اللهَ حقه. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_____________

(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الزكاة» باب «في الركاز الخمس» حديث (1499)، ومسلم في كتاب «الحدود» باب «جرح العجماء والمعدن والبئر جبار» حديث (1710)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ قال: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْـمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْـخُمُسُ».

(2) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «في اللقطة» باب «إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها عليه» حديث (2436)، ومسلم في كتاب «اللقطة» حديث (1722)، من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه  أنه قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فسأله عن اللقطة فقال: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا».