إلى عالمنا الفاضل بارك الله في علمه، برجاء إرشادي إلى حكم الشرع الحنيف في الموضوع الآتي.
مقدمة: نحن العاملون بقطاع البترول في جمهورية مصر العربية، عند خروج أحدنا على المعاش بعد انقضاء المدة القانونية لسنِّ العمل فإن قيمة المعاش الشهري تُساوي تقريبًا 15% من إجمالي راتبنا قبل سنِّ المعاش؛ مما دفع نقابة العاملين بالاشتراك مع مسئولي القطاع للتفكير في طريقة لرفع الدخل الشهري للعامل الـمُحال للمعاش كي يتناسب إلى حدٍّ ما مع دخلِه قبل بلوغه سنَّ المعاش، فكان الاتفاق على ما يُسمى بمشروع المعاش التكميلي وسيكون كالآتي:
أ- اشتراكُ العامل في هذا المشروع اختياري.
ب- تمويلُ المشروع كالآتي:
1. يقتطع من راتب العامل سنويًّا نصف شهر.
2. يُساهم القطاع سنويًّا بقيمةِ شهر لكل عامل حسب راتبه.
3. يساهم القطاع بمبلغ أوَّلي كبير كأساس للمشروع.
4- يتمُّ وضع كل هذه الأموال باسمِ هذا المشروع في أحدِ البنوك المصرية (البنك الأهلي المصري).
5. من هذا التمويل وعوائده من البنك يتمُّ صرف المعاش التكميلي للعامل حسب اللائحة المرفقة.
والسؤال: هل يجوزُ لي الاشتراك في هذا المشروع؟
مع العلم بأن:
1- الاشتراك فيه اختياري.
2- أن مجموع الأموال ستوضع في بنك ربوي.
3- عدم الموافقة على اقتطاع نصفِ شهر سنويًّا من راتبي يعنى عدم الرغبة في الاشتراك في المشروع؛ مما سيضيع على العامل غيرِ المشترك تلك المميزات التي يعطيها القطاع للعامل المشترك، ولا يحق للعامل غير المشترك المطالبة بهذه المميزات الإضافية التي حصل عليها زميله المشترك.
4- هذا المعاش التكميلي غير مرتبط بالمعاش الشهري الأصلي للعامل.
بيانات: لائحة نظام المكافآت الدورية (معاش) وغير الدورية اعتمد السيد المهندس/ وزير البترول لائحة نظام المعاش التكميلي في 18/3/2003، ويسري في شأن جميع العاملين المصريين الدائمين بقطاع البترول (الوزارة/ الهيئة/ شركات القطاع العام للبترول/شركات الإنتاج المشترك/الشركات القابضة)، وللعامل الحقُّ في إبداء رغبةٍ نهائية في عدم الانضمامِ لا يجوز العدول عنها.
موارد النظام (تودع في حساب مستقلٍّ ببنك مصري معتمد) من الآتي:
– دفعة تأسيسية لتدعيم المعاش التكميلي لكبار السن يتحملها صندوق الإسكان والخدمات الاجتماعية وشركات الإنتاج المشترك.
– مساهمة 4.5% من الأجرِ الأساسي خصمًا من الأجر الإجمالي (تعادل 16.2 يوم).
– نسبة 9% من الأجورِ الأساسيَّة تتحمَّلها وحدات القطاع.
– تنشأ حسابات شخصية للعاملين الأعضاء تُرحل إليها- خلال مدة الاشتراك- نسبة 4.5% من الأُجور الأساسية المقتطعة من العاملين عند انتهاء الخدمة:
– حصة الجهة المخصصة لتمويل مكافأة نهاية الخدمة.
– حصة العضو في مساهمة الجهة لتمويل الحد الأدنى لمعاش التقاعد والقيمة الرأسمالية لمعاش الوفاة (من الدفعة التأسيسية و2% من اشتراك الجهة).
تحدد المكافآت كالأتي:
1- إذا انتهت الخدمة لبلوغ سنِّ التقاعد تصرف المكافأة في صورة دفعة دورية (معاش) لا تسقط بالوفاة تتراوح بين 500 و1000 جنيه شهريًّا وفقًا لمتوسط الأجر الأخير، ويعاد تقييم المعاش كل (5 سنوات)، مع جواز صرف الرصيد المستحق بعد (10 سنوات) دفعة واحدة أو استكمال صرف (المعاش) لمدة تصل إلى (15 سنة) من تاريخ بلوغ سن التقاعد مع مراعاة الآتي:
– يشترط ألا تقل مدة الخدمة بقطاع البترول عن 15 سنة (متصلة أو منفصلة)، وألا تقل مدة الاشتراك الحكمية أو الفعلية عن 5 سنوات.
– إذا توفي العامل خلال فترة صرف المعاش يؤدي للمستحقين عنه (الورثة الشرعيين أو للمستفيدين الذين يحددهم العضو إذا رغب في عدم الصرف للورثة الشرعيين) الرصيد المستحق دفعة واحدة.
2- إذا انتهت الخدمة بالوفاة قبل سنِّ الستين تصرف للمستحقين عنه القيمة الرأسمالية لمعاش الوفاة دفعة واحدة بواقع 1.5 شهر عن كل سنة اشتراك، بحد أدنى 20 شهرًا بشرط ألا تقلَّ مدة الخدمة عن 15 سنة.
3- إذا انتهت الخدمة لغير التقاعد أو الوفاة:
1. يصرف كامل الرصيد الادخاري (أل 4.5% المودعة في حسابه الشخصي وريع استثمارها) في جميع الأحوال.
2. إذا كان انتهاء الخدمة بسبب الاستقالة عن 5 سنوات فأكثر:
– يزاد بواقع 25% إذا كانت مدة الخدمة بالقطاع 5 وأقل من 10 سنة.
– يزاد بواقع 50% إذا كانت مدة الخدمة بالقطاع 10 وأقل من 15 سنة.
– يزاد بواقع 75% إذا كانت مدة الخدمة بالقطاع 15 وأقل من 20 سنة.
– يضاعف الرصيد إذا كانت المدة 20 سنة فأكثر (وكذا في حالات العجز والإنهاء لغير سبب تأديبي)، (فترة صرف المعاش حوالي 180000 جنيه). للعلم هو اختياري.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل في مشروع المعاش التكميلي الجواز، حيث يُرَدُّ للعامل أو لورثته من بعده ما استقطع منه أثناء عمله، بالإضافة إلى انتفاعه بالهبة التي تهبها له الجهة المستوظفة، وهي هنا قطاع البترول، ولكن الخلل يكمن في الإيداع الربوي لحصيلة هذه الاستقطاعات حتى تستوفي منها هذه المعاشات التكميلية، ولما كان الدخول في عقد يتضمن الإعانة على معصية لا يجوز؛ لقوله تعالى: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، فإن هذا الأصل السابق منقوضٌ بهذه الإعانة، فيُنهى عنه من هذا الباب، ويبقى أن من تركَ شيئًا لله أبدله الله خيرًا منه(1).
وكنا قد أفتينا من قبل بأن المعاشات التي تقوم بها الحكومات والمؤسسات العامة تكون من جنسِ التأمين التعاوني الذي لا يُقصد به الربح، وإنما يقصد به إعانة العاملين وإعاشة أسرهم من بعدهم، والتأمين إذا كان تعاونيًّا يغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره من صور التأمين التجاري الأخرى، وعلى هذا فلا حرج في هذا المعاش.
ولكن الشرط في ذلك ألا تنمو حصيلته في استثمارات محرمة ومنها الإيداع الربوي في البنوك التقليدية، والمخرج من هذا الحرج أن تُطالب هذه الشركات بإيداع أموالها في المصارف الإسلامية لاسيما مع تبني الإرادة السياسية للمشروع الإسلامي وتوجهها إلى تطبيق الشريعة.
وقد يردُ هنا تساؤل: لم لا يرخص للعامل عند اشتدادِ الحاجة وعمومِ البلوى وانعدامِ البدائل أو نُدرتها بالدخول في هذا المشروع بنيَّة الاستفادة من الهبة التي تُقدَّم من الدولة لهذا المشروع؟ على أن يُستقطع من دخلِه قيمةُ الزيادات الربوية التي شابت هذا الدخل، ويعمل في حسابها بغلبة الظن؟
والجواب: أن ذلك يعسر تطبيقه عمليًّا من ناحية، ولا يضمن صاحب المعاش أن يلتزم ورثته بذلك التطهير من بعده من ناحية أخرى، فضلًا عن عدم بلوغ الأمر مبلغ الضَّرورة التي يترخص معها في الدخول في عقود ربوية.
فإذا بلغ الأمرُ مبلغَ الضرورة أو الحاجات العامة التي تنزل منزلتها جاز الترخص بناءً على قواعد الضرورة وما نزل منزلتها من الحاجات العامة، وليس بناء على الإباحة الأصلية.
وخيرُ ما يُنصح به راغبو التأمين بالمعاشات التكميلية أو بغيرها قول الله جل وعلا: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } [النساء: 9]. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 78) حديث (20758) ، والقضاعي في «مسند الشهاب» (2/ 178) حديث (1135) ، من حديث يزيد بن عبد الله بن الشخير عن رجل من الصحابة بلفظ: «إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ الله جَلَّ وَعَزَّ إِلَّا أَعْطَاكَ خَيْرًا مِنْهُ»، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 269) وقال: «رواه كله أحمد بأسانيد ورجالها رجال الصحيح».