العمل في قاعات الأفراح(2)

جزاك اللهُ عنا خيرًا يا دكتور صلاح، جعل الله ذلك في ميزان حسناتك أنت والقائمين على هذا الموقع النَّبيل. لديَّ بعض الاستفسارات وأرجو منك الإفادة:
أولًا: استطعتُ أن أفهم من الفتوى أن العملَ في جميع أقسام قاعات الأفراح حرامٌ؛ لأننا بذلك نساعد على معصية، لكنني أعمل في هذه القاعة منذ أكثر من سنتين، فهل ما اكتسبته في هذه الفترة يُعتبر حرامًا؟ وإن كان حرامًا فماذا عليَّ أن أفعل؟ وما معنى أن أجعل بقائي في هذا العمل بقدر الضَّرورة إليه؟ إن الضَّرورة إليه بالنِّسْبة لي هي الضَّرورة القصوى؛ حيث إنني ليس لديَّ كمعظم الشباب عملٌ آخر أو عمل جديد، وإن وجد هذا العمل لا يكون مناسبًا لي؛ لأن هذا العملَ مربحٌ أكثرَ من العمل الآخر الذي يمكن أن أجده إن وُجد؛ وحيث إنني مُقبِلٌ على الزَّواج فالضَّرورة هنا تُعتبر ضرورةً قصوى. فهل يحلُّ لي هذا العمل إذا لم أبحث عن عملٍ آخر؟ وهل يحلُّ لي هذا العمل إذا وجدتُ عملًا آخر لكنه لا يتناسب معي لأنه أقلُّ من عملي الأول في الأجر ولا يُمكن العيشُ على مرتبه؟ وما الفرق بين ما إذا كنت أعمل مثلًا في مطعمٍ أو محلٍّ يُقدِّم المشروبات غير الـمُحرَّمة وأنا أقوم بتقديمها أيضًا، وبين العمل في قاعات الأفراح؟
ثانيًا: هناك بعض الأعمال الفنية داخل هذة القاعة مثل عمل الشيفات (قسم الطبخ) داخل القاعة، وهو ما يُقدَّم في الأفراح لدينا، فهل يُعتبر ما يقوم به الطَّبَّاخ من عملٍ من طعام ونحوه ويُقدَّم في الأفراح ونظير ذلك يأخذ عليه أجرة، يُعتبر أيضًا مساعدًا على معصية؟ وأيضًا من يقومون بالنظافة وما شابه ذلك يُعتبر عملهم حرامًا؟ نرجو منك الإفادة، ولكم جزيل الشكر.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فزادك اللهُ يا بني حرصًا وتوفيقًا. واعلم- وفَّقني اللهُ وإيَّاك- أن درجاتِ المنع في الممنوعات متفاوتةٌ، فالممنوعات ليست سواءً، كما أن درجاتِ الطلب في المطلوبات متفاوتةٌ، فالمطلوبات ليست سواءً، فما ذكرتَه من العمل في قاعة الأفراح ليس على درجةٍ واحدة، فعمل المغنية الخليعة المائلة المميلة ليس كعمل الحارس أو الطاهي الذي يعمل في مجال ما يحلُّ من الأطعمة. كما أن العملَ في المصارف الرِّبَوِيَّة- على سبيل المثال- ليس على درجةٍ واحدة؛ ففَرْقٌ بين مَن يعمل في مجال قسم الائتمان حيث كتابة الرِّبا والإشهاد عليه، ومَن يعمل في مجال الخدمات المصرفية البحتة كصرف العملات مثلًا، وكلُّ شيءٍ يُعامل بحسبه.
والشَّريعة لا تُسوِّي بين مُختَلِفَيْن ولا تُفرِّق بين متماثلين، ولكن الجامعَ بين هذه الأنشطةِ أنها ليست في الجملة مما تَسكُن إليه نفوسُ الصَّالِحين عند القُدْرة والاختيار، بل تتطلَّع إلى الخروج منه حتى ترسوَ سفائنُهم على مرفأٍ نظيفٍ آمن، مع تفاوتٍ في درجات المنع، فبعضُه في إطار الـمُحرَّمات، وبعضه في إطار المكروهات، فما كان أصلُه المنعَ فلا يُترخَّص فيه إلا عند الضَّرورة، وما كان أصلُه الحِلَّ ولكنه تضمَّن إعانةً غيرَ مقصودةٍ ولا مباشرة على مُنكَرٍ فهذا الذي يَشُوبه شوب الكراهة؛ ولهذا قلنا لك: ابْقَ في عملك هذا بقدر ضرورتك إليه.
والضَّرورة هنا لا تعني ما يَسُدُّ الرَّمَقَ فحسب، بل ما لابُدَّ منه لتوفير الحاجيات الأساسية، أي ما يُتضرَّر بتركه مع افتقاد البدائل، فلم يَغِبْ عنا عمومُ البلوى وانتشار البطالة ومسيس الحاجة.
وما مضى مِن كَسْبٍ قبل ذلك مِن قبل عِلْمِك بهذه الضوابط أرجو أن يسعَه عفوُ الله عز وجل ؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾[الإسراء: 15]. واجتهد في البحث عن بديلٍ مناسب، ومتى يسَّره اللهُ لك فتحوَّل إليه. ونسأل اللهَ لك التَّوفيق، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع, 10 الوظائف والأعمال

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend