استجلاب موظف المحكمة أموالًا من المتقاضين والمحامين بغير وجه حق

لي صديق يعمل أمينَ سرٍّ ويريد أن يستفسر عن بعض الأمور الخاصة بعمله؛ حيث يتدخَّل الحرام مع الحلال.
أعمل مساعدَ أمينِ سرٍّ في محكمة، وتمَّ تعييني حديثًا، ويوجد لي تساؤلات:
أوَّلًا: أمين سرٍّ يقوم بتصوير قضايا إلى محامين ويتمُّ إعطاؤهم صورةً ضوئية من القضية مقابل 5 جنيهات للقضية الواحدة، على الرغم أن الطَّريق الرسميَّ هو أن يقوم المحامي بأخذ صورة رسميَّة عليها ختم النسر، ويقوم بتوريد تقريبًا خمسة جنيهات إلى خزينة المحكمة مباشرة، ويأخذ إيصالًا، ويتم إعطاؤه الصُّورة الرسميَّة.
والمحامي يقوم بإعطاء أمين السِّرِّ النُّقود حتى يختصر الإجراءات والوقت، ويضعها أمين السر في جيبه الخاص. هل أخذ أمين السر هذه النُّقود حرام أم حلال؟
ثانيًا: بعد أن يتمَّ انتهاء جلسة القضاء يقوم أمين السر بتحصيل رسوم التقاضي من المتهمين فيحصل 3 جنيهات فقط مصاريف الجلسة، ولكن أمين السر يقوم بتحصيل 10 جنيهات، ويضع الفارق 7 جنيهات في جيبه الخاص. هل هذا حرام أم حلال؟
ثالثًا: أمين السر يقوم بالصَّرف على الجلسة، والجلسة تتكوَّن تقريبًا من 300 قضية، وأمين السر يقوم بالصرف من جيبه الخاص على هذه الجلسة، من حيث يقوم بتصوير محاضر الجلسات وشراء أقلام وأوراق ودبارة، إلى آخره، وتقريبًا ثمن هذا مائة جنيه في الجلسة الواحدة.
ويوجد أربعة جلسات في خلال الشهر، أي تقريبًا 400 جنيه، ومرتب أمين السر 500 جنيه، والمحكمة لا تقوم بإعطائه تلك المصاريف، على الرغم من أن كثيرًا من أمناء السر اشتكى من ذلك، ولكن المحكمة لم تعطهم أيَّ مقابلٍ، ودار العرف بين أمناء السر في المحاكم أن يقوم أمناء السر بتحصيل المال بالطرق السابقة من المحامين والمتهمين، ويقوم بالصرف على الجلسة، وبالطبع إذا مد أمين السر يده لأخذ المال سوف يأخذ أكثر بكثيرٍ من مصاريف جلسة المحكمة.
إن أمين السرِّ ينهي عمله الساعة 2.5 ظهرًا، ولكن العمل في القضايا كثيرٌ، مما يُجبر أمين السر على أن يجلس في المحكمة إلى الساعة الثَّامنة مساءً، ولا يأخذ مقابلًا من المحكمة مثل ساعات إضافية.
برجاء الإفادة: هل هذا المُبرِّر يحلل أخذ أمناء السر من المحامين أو المتهمين.
رابعًا: إذا قام المتهم بأخذ براءة وقام بإعطاء أمين السر مثلًا 50 جنيهًا عن رضًا من المتهم، هل هذا حلال أم حرام؟
خامسًا: أنا مساعد أمين سرٍّ، وطلب مني أمين السر العمل معه في المحكمة بعد الساعة الثَّانية والنصف ظهرًا إلى الساعة الثَّامنة مساءً مقابل أن يعطيني مرتبًا شهريًّا ثابتًا مقابل هذا العمل، وأنا في أشد الحاجة إلى العمل بعد الظهر؛ حيث إنني مسئولٌ عن أسرة كاملة، ولن آخذ أيَّ شيءٍ من المحكمة؛ لأنه لا يوجد ساعات إضافية إلى أمناء السر.
برجاء الإفادة: هل لو قمتُ بالعمل معه بعد الظُّهر وآخذ هذا المرتب مقابل العمل يكون حرامًا أم حلالًا؟
حيث إن مصدر مال أمين السر هو الذي يجمعه من المتهمين والمحامين بالطرق السابقة، أشعر أنه مشبوهٌ، ولكن مقابل عملي بعد الظُّهر حتى الساعة الثَّامنة مساء هل هذا مرتب يتم أخذه من أمين السر حلال أم حرام؟
سادسًا: هل العمل في وظيفة أمين السر بالكيفيَّة السابقة حلال أم حرام؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فالأصل أن الموظَّف العام مؤتمنٌ على عمله يؤدِّيه وفق اللَّوائح السارية، ويتقاضى أجرًا مقابل ذلك من الدَّولة، ولا يتقاضى شيئًا من المراجعين، وإلا اعتُبر من قبيل الرِّشوة، والرِّشْوة من الكبائر، فقد لعن رسول الله الراشي والمرتشي(1)، لا يستثنى من ذلك إلا بعض الأحوال التي تَنْبَتُّ فيها الصِّلة بين الهدية وبين العمل لتُصبح من قبيل العطية البحتة، كما يقدم المتقاضون الذين حصلوا على البراءة هدية بعد صدور الحكم إلى العاملين بالمحكمة على سبيل البشارة، أو كما يُقدم الطَّالب الذي نجح هدية إلى عمال المدرسة بعد ظهور نتيجته ونحوه.
والأصل أن يُعوَّض الموظَّفُ تعويضًا عادلًا يكفيه هو ومن يعول، ولا يُلجئه إلى الرِّشْوة أو السرقة ونحوها من أنواع الكسب غير المشروع.
والولاة موقوفون بين يدي الله عز و جل  ومسئولون عن ذلك(2)، وسيسأل الله كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه؛ حفظ أم ضيع!
ولا يعقل أن يُكلَّف عاملٌ بالمحكمة أن يُنفق على الجلسات، فهذا ما سُمع به في واقعنا المعاصر قط! وإن صح ما تقول فإن له أن يحمل هذه النَّفقات على المتقاضين خصومًا كانوا أو محامين، بقدر ما يتكلَّفه بالفعل، ولا يزيد عن ذلك إلا بقدر ما تطيب به نفوسهم، في غير عسف ولا شطط.
فإذا دار عملُ أمين السر أو مساعده في هذا الفلك كان عمله مشروعًا، وجاز إعانته عليه، وتنقص المشروعيَّة وتتراجع بقدر الإخلال بهذه المعالم.
ويبقى بعد هذا التحاكم إلى غير الشريعة في واقعنا المعاصر أو العمل في كيانات قضائية لا تحكم بالشريعة ولمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا قرار حول الاشتغال بالعمل القضائي خارج ديار الإسلام أسوقه لك بنصه لعله مما تتم به الفائدة في هذه المسألة:
القرار الثامن: العمل في القضاء وتوابعه خارج ديار الإسلام:
* لقد أرسل الله رسله وأنزل كُتبه ليقوم الناس بالقسط، وسبيلهم إلى ذلك تحكيمُ شرائعه لقيامها على العدل المطلق، ونبذ ما خالفها من الأهواء والتراتيب البشرية، فلا يجوز التحاكمُ إلي القضاء الوضعي إلا عند انعدامِ البديل الشرعي القادر على ردِّ الحقوق واستخلاص المظالم، على أن تكون مطالبه أمامه مشروعة، وأن لا يستحلَّ من أحكامه إلا ما وافق الشريعة، فمن حكم له بغير حقه فلا يأخذه، لأن حكمَ القاضي لا يُحلُّ حرامًا ولا يُحرم حلالًا فإنه كاشفٌ وليس بمُنشئ.
* يتعين على الجاليات الإسلامية العملُ على تسوية منازعاتهم صُلحًا في إطار التحكيم الشرعي، والسعي بالطرق القانونية لدى الدول التي يقيمون فيها لتمكينهم من التحاكم إلى شريعتهم لاسيما في باب الأحوال الشخصية.
* العمل في مجالات المحاماة مشروعٌ إذا اقتنع المحامي بعدالة وشرعيَّة ما يطلب منه التوكل فيه.
ونسأل الله لنا ولك التَّوفيق والسَّداد والرشاد، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_______________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/164) حديث (6532)، وأبو داود في كتاب «الأقضية» باب «في كراهية الرشوة» حديث (3580)، والترمذي في كتاب «الأحكام» باب «ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم» حديث (1337) من حديث عبد الله بن عمرو ب، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وصححه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (3753).

(2) فقد أخرج البخاري في كتاب «النكاح» باب «المرأة راعية في بيت زوجها» حديث (5200)، ومسلم في كتاب «الإمارة» باب «فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم» حديث (1829) من حديث ابن عمر رضي الله عنه  قال: قال رسول الله ﷺ: ««كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع, 10 الوظائف والأعمال

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend