حول قرض صندوق النقد الدولي في مصر

القرض الذي تعتزم القيادة السياسية في مصر إمضاءه مع مؤسسة النقد الدولي، وقد سبق لها رفضه، والجدل السياسي الدائر حوله بين المجيزين والمانعين، هل لكم من تعليق؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد اتفق أهل الدين على أن القروض الربوية من المحرمات القطعية، وأن الاقتراض بالربا لا يرتفع إثمه إلا تحت وطأة الضرورات، وقد أكد هذا الأزهر ممثلًا في مجمع البحوث الإسلامية في دورة انعقاد مؤتمره الثاني المنعقد بالقاهرة في شهر المحرم سنة 1385هـ الموافق مايو 1965م، والذي ضم ممثلين ومندوبين عن خمس وثلاثين دولة إسلامية، حيث نص على ما يلي:
1. الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي؛ لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين.
2. كثير الربا وقليله حرام، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 130].
3. الإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة… وكل امرئ متروك لدينه في تقدير ضرورته.
4. أعمال البنوك من الحسابات الجارية وصرف الشيكات وخطابات الاعتماد والكمبيالات الداخلية التي يقوم عليها العمل بين التُّجَّار والبنوك في الداخل: كل هذا من المعاملات المصرفية الجائزة، وما يؤخذ في نظير هذه الأعمال ليس من الربا.
5. الحسابات ذات الأجل، وفتح الاعتماد بفائدة، وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة كلها من المعاملات الربوية وهي محرمة.
وأظن أن هذا قد بات من المحكم الذي لا ينبغي أن يُختلف فيه أو أن يختلف عليه، ولكن بقي بعد ذلك قضيتان وكلتاهما في محل الاجتهاد:
الأولى: تتعلق بتكييف الزيادة في هذا القرض خاصة، هل يعد هذا القرض ربويًّا رغم ضآلة النسبة التي تُحتسب عليه (1، 1 %) وهي نسبة ليست معهودة في القروض الدولية التي قد تصل إلى 16 % أو تزيد، والتي توشك هذه النسبة لضآلتها أن تلحق هذا القرض بالقروض الحسنة؟ أم أن الزيادة المشترطة في القروض ربًا في جميع الأحوال قلت أم كثرت؟
لا شكَّ أن المستقر عند أهل العلم وأهل الفتوى أن كثير الربا وقليله حرام، وأن الزيادة المُشترَطة في القروض ربًا قلَّت أم كثرت، ولكن للقضية ملحظ آخر؛ فقد يقال: إن هذه النسبة هي مصروفات إدارية وليست فوائد ربوية، أي مقابل الدراسات التي يجريها صندوق النقد أو غيره من مؤسسات الإقراض على الدولة طالبة القرض، للاستيثاق من جدارتها الائتمانية من حيث مَلَاءتها وقدرتها على الوفاء بالقرض، ومن حيث ما يقدمه لها من وصفة اقتصادية تضمن له قدرة هذه الدولة على الوفاء بالتزامها مستقبلًا بسداد هذه القروض، وهو يجند في ذلك جيوشًا من الباحثين، ويستأجر مكاتب ويجهزها، ويرسل وفودًا اقتصادية يقع على عاتقه عبء أسفارها ومكافآتها، ويتحمل في ذلك كله نفقات باهظة؟
ولأهل العلم شروط في هذه المصروفات لكي تعتبر من جنس المصروفات الإدارية، منها أن تكونَ بقدر الخدمة التي تؤدَّى، وألا تكون مصدرًا لاسترباح هذه المؤسسة ولا تظهر في ميزانيتها الختامية باعتبارها مصدرًا للدخل، وألا تتكرر إلا بتكرر هذه الخدمة، وكثير من هذه الشروط قد لا ينطبق على هذه الحالة، ولكن يُترك لفقهاء الشريعة وخبراء الاقتصاد دراسة هذه الحالة، والخروج بكلمة سواء يعلنونها على الأمة: هل تعد هذه النسبة من جنس المصروفات الإدارية والعمولات المصرفية فيكون القرض قرضًا حسنًا؟ أم أنها تعد من جنس الزيادات الربوية فيعد القرض قرضًا ربويًّا؟ وأرجو ألا نصادر على فقهائنا وخبرائنا في ذلك.
والثانية: تتعلق بالإطار الذي تُناقَش في ضوئه هذه النازلة في الواقع الراهن، وهو تقدير الضرورة التي يتذرع بها لتسويغ هذا القرض إن اتفق على كونه قرضًا ربويًّا، واعتبرت الزيادة من جنس الربا وليس من جنس المصروفات الإدارية: هل بلغت الحالة الاقتصادية في البلاد هذا المبلغ الذي يسوغ مثل هذا الموقف، أم لا؟ بعد الاتفاق على أن الضرورة قد تتصور على مستوى الدول والشخصيات المعنوية، كما تتصور على مستوى الأفراد والشخصيات الطبيعية.
لا يخفى أن الجواب على ذلك في غاية التعقيد، وهو ليس في مقدور الفقهاء وحدهم، لاعتماده على مزيج من العلم بالشرع والدراية بالواقع، ولابد له من اجتماع الفقهاء والخبراء، ويعسر المصادرة عليهم قبل اجتماعهم، وتداول الأمر فيما بينهم من مختلف جوانبه والوصول فيه إلى كلمة سواء.
فيرجى أن يحال الأمر إلى أهله، وأن يتداعى الفقهاء والخبراء من رجالات الاقتصاد والمالية العامة، ورجالات البنوك وأسواق المال، للنظر الفاحص الثاقب في هذه المسألة، والخروج على الأمة بكلمة سواء يلتقي عليها المجتمع كافة، وتكون مدعومة بالأدلة الشرعية والاقتصادية، والله من وراء القصد. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الربا والصرف, 06 قضايا فقهية معاصرة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend