لقد انتشرت بورصة العملات انتشارًا كبيرًا، وهي المعروفة باسم الفوركس. ما رأيكم فيها؟ وهل هي حلال أم حرام؟ مع العلم بأن القرض لا يكون بفائدةٍ على التبييت، وليس هناك عمولة لتداولي من خلال الشَّركة، ولكن هناك فرق سعرٍ ما بين البيع والشراء فقط.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فيقصد بالشراء بالهامش: شراء العملات بسداد جزءٍ من قيمتها نقدًا بينما يُسدد الباقي بقرض مع رهن العملة محلِّ الصَّفقة.
والهامش: هو التَّأمين النقديُّ الذي يدفعه العميل للسِّمسار ضمانًا لتسديد الخسائر التي قد تنتج عن تعامل العميل مع السِّمسار.
والذي يظهر تحريمُ هذه المعاملة؛ لأن السِّمسارَ إذا أقرض العميل هذا القرض بفائدة فهذا هو الرِّبا المحرم، وإن أقرضه بغير فائدةٍ شريطةَ أن يكون التَّعامل من خلاله وحده ليستفيد بالعمولات التي يتحصَّل عليها من وراء كلِّ صفقة يُبرمها فهو قرضٌ جرَّ نفعًا مشروطًا، وهو محرَّمٌ ربًا بدوره.
هذا وقد صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي حول المتاجرة بالهامش، نُورده لك لمزيد من الفائدة، فمثل هذه القرارات الـمَجمعيَّة قد توافر لها من البحوث والمراجعات والتدقيق واجتماع الخبراء والفقهاء ما لم يجتمع لغيرها من الفتاوى والاجتهادات الفردية.
قرار المجمع الفقهي الإسلامي حول المتاجرة بالهامش:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الثامنة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 10-14/3/1427هـ الذي يوافقه 8-12 إبريل 2006م، قد نظر في موضوع: ( المتاجرة بالهامش، والتي تعني: دفع المشتري-العميل- جزءًا يسيرًا من قيمة ما يرغب شراءه يسمَّى هامشًا، ويقوم الوسيط- مصرفًا أو غيره- بدفع الباقي على سبيل القرض، على أن تبقى العقود المشتراة لدى الوسيط رهنًا بمبلغ القرض.
وبعد الاستماع إلى البحوث التي قدمت، والمناقشات المستفيضة حول الموضوع، رأى المجلس أن هذه المعاملة تشتمل على الآتي:
1- المتاجرة (البيع والشراء بهدف الربح)، وهذه المتاجرة تتم غالبًا في العملات الرئيسة، أو الأوراق المالية (الأسهم والسندات)، أو بعض أنواع السلع، وقد تشمل عقود الخيارات، وعقود المستقبليات، والتجارة في مؤشرات الأسواق الرئيسة.
2- القرض، وهو المبلغ الذي يقدمه الوسيط للعميل مباشرة إن كان الوسيط مصرفًا، أو بواسطة طرف آخر إن كان الوسيط ليس مصرفًا.
3- الربا، ويقع في هذه المعاملة من طريق (رسوم التبييت)، وهي الفائدة المشروطة على المستثمر إذا لم يتصرف في الصفقة في اليوم نفسه، والتي قد تكون نسبةً مئوية من القرض، أو مبلغًا مقطوعًا.
4- السمسرة، وهي المبلغ الذي يحصل عليه الوسيط نتيجة متاجرة المستثمر (العميل) عن طريقه، وهي نسبة متفق عليها من قيمة البيع أو الشراء.
5- الرهن، وهو الالتزام الذي وقعه العميل بإبقاء عقود المتاجرة لدى الوسيط رهنًا بمبلغ القرض، وإعطائه الحق في بيع هذه العقود واستيفاء القرض إذا وصلت خسارة العميل إلى نسبة محددة من مبلغ الهامش، ما لم يقم العميل بزيادة الرهن بما يقابل انخفاض سعر السلعة.
ويرى المجلس أن هذه المعاملة لا تجوز شرعًا للأسباب الآتية:
أولًا: ما اشتملت عليه من الربا الصريح، المتمثل في الزيادة على مبلغ القرض، المسماة (رسوم التبييت)، فهي من الربا المحرم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 278- 279].
ثانيا: أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة (السمسرة)، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع، المنهي عنه شرعًا في قول الرسول ﷺ: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ»(1). وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جرَّ نفعًا فهو من الربا المحرم.
ثالثًا: أن المتاجرة التي تتم في هذه المعاملة في الأسواق العالمية غالبًا ما تشتمل على كثير من العقود المحرمة شرعًا، ومن ذلك:
1- المتاجرة في السندات، وهي من الربا المحرم، وقد نصَّ على هذا قرار مجمعُ الفقه الإسلامي بجدة رقم (60) في دورته السادسة.
2- المتاجرة في أسهم الشركات دون تمييز، وقد نصَّ القرار الرابع للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة سنة 1415هـ، على حرمة المتاجرة في أسهم الشركات التي غرضها الأساسي محرم، أو بعض معاملاتها ربًا.
3- بيع وشراء العملات يتم غالبًا دون قبض شرعي يجيز التصرف.
4- التجارة في عقود الخيار وعقود المستقبليات، وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم (63) في دورته السادسة، أن عقود الخيارات غير جائزة شرعًا؛ لأن المعقود عليه ليس مالًا ولا منفعة ولا حقًا ماليًّا يجوز الاعتياض عنه. ومثلها عقود المستقبليات والعقد على المؤشر.
5- أن الوسيط في بعض الحالات يبيع ما لا يملك، وبيع ما لا يملك ممنوع شرعًا(2).
رابعًا: لما تشتمل عليه هذه المعاملة من أضرار اقتصادية على الأطراف المتعاملة، وخصوصًا العميل (المستثمر)، وعلى اقتصاد المجتمع بصفة عامة؛ لأنها تقوم على التوسع في الديون، وعلى المجازفة، وما تشتمل عليه غالبًا من خداع وتضليل وشائعات، واحتكار ونجش وتقلبات قوية وسريعة للأسعار، بهدف الثراء السريع والحصول على مدخرات الآخرين بطرق غير مشروعة، مما يجعلها من قبيل أكل المال بالباطل(3)، إضافة إلى تحويل الأموال في المجتمع من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية المثمرة إلى هذه المجازفات غير المثمرة اقتصاديًّا، وقد تؤدي إلى هزات اقتصادية عنيفة تلحق بالمجتمع خسائر وأضرار فادحة.
ويوصي المجمع المؤسسات المالية باتباع طرق التمويل المشروعة التي لا تتضمن الربا أو شبهته، ولا تحدث آثارًا اقتصادية ضارة بعملائها أو بالاقتصاد العام كالمشاركات الشرعية ونحوها، والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فلا خير في هذه المعاملة، وينبغي تجنُّبها، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/174) حديث (6628)، وأبو داود في كتاب «البيوع» باب «في الرجل يبيع ما ليس عنده» حديث (3504)، والترمذي في كتاب «البيوع» باب «ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك» حديث (1234) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه . وحسنه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (2870).
(2) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (3/402) حديث (15346)، وأبو داود في كتاب «البيوع» باب «في الرجل يبيع ما ليس عنده» حديث (3503)، والترمذي في كتاب «البيوع» باب «ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك» حديث (1232) و(1233)، من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت: يأتيني الرجل يسألني من البيعِ ما ليس عندي أبتاعُ له من السوق ثم أبيعه؟ قال: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»، وقال الترمذي: «حديث حسن»، وذكره الألباني في «صحيح الجامع» حديث (7206).
(3) قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].