التجارة في العملات الورقية في السوق العالمية «الفوركس»

أرجوكم أريد سعة صدركم لشرح الموضوع لأني في ضيق وهم كبير:
لقد كنت يومًا ما أبحث في الإنترنت حتى تعرفت على هذه التجارة «التجارة في العملات عن طريق الهامش في السوق العالمية للعملات الفوركس»، وكان هناك كتاب تعليمي باللغة العربية كان يحتوي على فتوى تجيز هذه التجارة وأحد المنتديات التي تعرض فتوى مجمع البحوث الإسلامية للأزهر الشريف التي تجيزها أيضًا.
ففرحت كثيرًا وبدأت أتعلمها، وكنت قد قطعت العزم والنية أن يكون هناك نسبة ثابتة من هذا المال لوجه الله وتتغير بتغير الدخل قبل إخراج الزكاة منها لتكون أكبر، وبعدما وصلت لدرجة جيدة فوجئت في أحد المنتديات أن شخصًا ما كتب: «الفوركس ربا»، وكتب أن مجمع البحوث الإسلامية لرابطة العالم الإسلامي هو من أفتى بحرمة التجارة وأنها من الربا.
ومنذ ذلك الحين بدأت أبحث كثيرًا عن مدى شرعية هذه التجارة وأنا في ضيق وحزن وهم كبير؛ لأن هناك العشرات من العلماء يجيزونها وهناك العشرات الآخرون يحرمونها، وهناك من يجيزونها بشروط، البعض يقول: «استفتِ قلبك»، والبعض يقول: «لا استفتاء للقلب في حالة بيان الدليل، وأن الأصل في الأشياء الحل إلا في حالة ثبوت الحرمة»، وآخرين يقولون: «الحَلَالُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ»»(1).
أنا لست عالم دين ولست رجل أعمال بارز، ولكني قرأت كل تعليقات الأفراد الذين يعملون في هذه التجارة ممن على علم كبير بالقرآن والسنة، ومنهم من هم تلاميذ لشيوخ كبار ويؤكدون على أن فتوى المجمع الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي صحيحة تمامًا ولكنها لا تتعرض للتجارة في العملات، وإنما أتت بأشياء معروف حرمتها كالعقود الآجلة وغيرها، ويرد آخرون أن الفتوى عامة للتجارة بالهامش بصرف النظر هل هي للعملات أم غيرها.
وقد قرأت الأبحاث المتعلقة بهذه التجارة والمتركزة في التجارة بالعملات فوجدتها تحلل ما أقوم به، وأبحاثًا أخرى تحرمها بحرمة الآخرين، وأنا لست عالم دين لأحكم عليها، ولكني في حيرة حقيقية!
وللإيجاز ما توصلت له هو أن هؤلاء رجال الأعمال يتعاملون مع شركة معينة توفر حسابات إسلامية معينة، وهؤلاء الرجال على اتصال بالشركة وعلى معرفة برئيسها، وهذه هي الشروط:
1- يتم دفع مبلغ من المال لدى وسيط ويقوم الوسيط بالوساطة بيني وبين البنك الذي يتعامل معه للحصول على قرض أو تسهيل أو رافعة مالية- لأن تكييفها الفقهي اختلف كثيرًا- تساوي أضعاف ما تم وضعه في حسابي لدى الوسيط، من الممكن أن تصل إلى 200 ضعف، وأقوم بالمتاجرة بهذه الأموال على إعادتها ثانية إلى الوسيط ثم البنك.
2- التعامل من خلال شركة وساطة هي التي تقوم بالوساطة بيني وبين المقرض، وهو بنك أو أكثر تتعامل معه شركة الوساطة؛ حيث إن التعامل مع البنك كوسيط وممول في نفس الوقت يوقع في شبهة «قرض جرَّ نفعًا»، وهذا تم الابتعاد عنه من المستثمرين المسلمين.
وبناء عليه يتقاضى الوسيط أجرة على برنامج التداول الذي يوفره للعميل وكذلك على الخدمات الإخبارية التي يوفرها أيضًا، وهذا بالفرق بين سعر الشراء والبيع المعمول به في كافة المصارف الإسلامية وغيرها، مع العلم أنه سوف يتقاضى نفس المبلغ وهو الفرق في حالة متاجرة العميل بحرِّ ماله دون الزيادة والتسهيلات التي يقدمها الوسيط لتقديمه الأخبار وبرنامج التداول والأسعار الحقيقية والحية في نفس اللحظة للعملات عبر شبكة ضخمة من الحاسبات العملاقة.
3- عدم وجود فوائد يومية، المعروفة بفوائد التبييت، أو فوائد من أي نوع على الحساب، سواء بيني وبين شركة الوساطة أو بين الوسيط والبنك، حيث يتم عمل غلق وإعادة فتح آلية للعقود الخاصة بالعملاء المسلمين لتجنب دفع فائدة للبنوك بناء على طلب المستثمرين المسلمين.
4- يتم التقابض للعملات حكميًّا عن طريق إيداع الأموال في رصيد المستثمر بمجرد إعطائه الأمر للشركة عن طريق برنامج التداول، أما التسوية بين جميع الأطراف فالعادة والطبيعي أنها تتم لحظيًّا أيضًا ولكن من الممكن لظروف قاهرة وخارجة عن إرادة هذه الأطراف مثل تباعد المسافات واختلاف التوقيت وعدم تواجد بعض الأطراف الأخرى أو إغلاقها قد تتأخر التسوية، والتي عادة ما تكون خلال يومين عمل، بغض النظر عن أي ارتفاع أو انخفاض في سعر العملة.
فالقبض يعنى: «استلام المبلغ وإيداعه بحساب العميل وتمكينه من التصرف به».
والتسوية تعنى: «إنهاء المعاملة في جميع أطرافها، وتسليم الصفقة وإتمامها».
وبهذا التعريف يتضح لنا أن «التقابض» أو القبض خاص بالعميل نفسه، وهو المعنى الأول والطرف الرئيسي في هذا الأمر، بينما «التسوية» خاصة بأطراف العملية الآخرين، وهم الوسيط والبنك ومن يدخل في حكمهم.
والحديث طبعًا عن متاجرة العملات، وهذا ما جرت عليه الاتفاقيات بين البنوك وبين جميع الأطراف العاملة في مجال الصرف في هذا المجال.
الجدير بالذكر أن هذه الشركات تحت رقابة صارمة من أجهزة رقابية للمحافظة على أموال المستثمرين من أي تلاعب من الوسيط والتأكد من إنهاء الصفقات وإتمام التسوية النهائية وتسجيل كل كبيرة وصغيرة في السجلات الخاصة بهذه الهيئات الرقابية وعدم دخول شركات الوساطة في هذه التجارة وإبقاء دورها على الوساطة فقط، أما البنوك فتعطى نسبة 2 % من استثمارها للتجارة بالعملات.
غير أن التعامل مع البنوك أصلًا حرام، وأنا وأصدقائي نتجنبه تمامًا، كذلك فإن حجم التداول في هذا السوق يصل إلى 10 تريليون دولار وإنه من الصعب جدًّا التحكم في هذا السوق من أي شركة أو جهة للحصول على المنفعة، إنما يعتمد على العرض والطلب.
كل هذه الشروط تأكدت منها بنفسي، ما عدا شرط التسوية والذي أكد لي أحد أصدقائي أنه كلمهم بالهاتف شخصيًّا وتأكد منه، وأخبرني أن هذا الضيق والهم إنما هو من الشيطان لأني نويت أن أُخرج نسبة من الربح لله، وأنه يريدني ألا أحصل على الحسنات والثواب منها، ولكني أعلم الحديث: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا…»(2)، ولن يتقبل مني لو كان من حرام وفيه ربا، وأنا أضعف وأهون من أن أحارب الله كما في كتابه العزيز.
أرجوكم ألا تزيدوا من حيرتي وأن تعطوني فتوى تقطع الشك باليقين بهذه الشروط السابق ذكرها، ولا تخبروني بشروط التجارة في الأموال التي ذكرت في فتوى سابقة؛ لأني كما قلت لست عالم دين وإنما رجل مثقف عادي. أرجوكم الإسراع فيها لأني بحاجة ماسة لها. أشكركم لسعة صدركم.

________________

(1)  متفق عليه.

(2)  أخرجه مسلم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أيها الأخ الكريم، نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه، وأن يطيب مطعمنا.
هذه التجارة كما صورتها فيها من الحرام ما فيها، وصدر بشأنها قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة.
واعلم رحمك الله تعالى أن تجنب فوائد التبييت لا يعني حل المعاملة لبقاء بقية الشروط المحرمة، ولا يوجد في عصرنا من يقرض قرضًا حسنًا لله تعالى.
فاترك الحيرة التي أنت فيها، واعلم بأن ما حدَّثَتْك به نفسك ليس من الوساوس، بل على العكس هو الحق والإقدام على هذه التجارة من الشيطان، والمصارف الإسلامية لا تتعامل عن طريق الهامش، هذا هو الأصل، ولا عبرة بمن خالف غفر الله له، فلا تدخل في هذه التجارة إلا إذا كان عندك المبلغ كاملًا ويتم القبض في الحال. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend