الإعفاءات الضريبية بسبب التمويل المصرفي الربوي لشراء بيت في أمريكا

ما هو الحكم الشرعي في الإعفاءات الضريبية التي يحصل عليها المقيم في الولايات المتحدة بسبب التمويل المصرفي لشراء بيتٍ من البيوت؟ سواء أكان التمويل من خلال شركة من الشركات الإسلامية، أم من خلال المصارف التقليدية؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن هذه الإعفاءات إذا كانت نتيجة التعامل مع شركة إسلامية، ولم تكن نتيجة التعامل الربوي مع المصارف التلقيدية، فينبغي ألا يختلف القول في كونها ملكًا لصاحبها، وتُخرَّج على أنها هبة من الهبات، تقضي بها نظم هذه البلاد وقوانينها الاقتصادية.
أما إذا كانت نتيجة التعامل الربوي مع المصارف التقليدية، فبعد التأكيد على حرمة الربا وكونه من أكبر الجرائم وأفحشها، وعلى ضرورة البعد عنه والتخلص منه؛ فإن ما يترتب على هذه التعامل- رغم تحريمه- من تسهيلات يعد من مواضع النظر والاجتهاد:
فمن أهل العلم من يرى أن القرض الربوي بعد قبضه يُصبح دينًا على صاحبه ويدخل في ضمانه، فما ينتج عنه من خراجٍ سواء أكان من قبيل المعاوضات أو من قبيل التبرعات، فإنه يكون لصاحبه؛ لأن الخراجَ بالضمان، وفي الباب حديث عائشة ل الذي رواه أبو داود وغيرُه وسنده حسنٌ: أن النبيَّ ﷺ قال: «الْـخَرَاجُ بِالضَّمَانِ»(1)، فطالما أنه كان ضامنًا لهذا المال فخراجه له.
ومنهم من يرى أن كلَّ فائدةٍ تترتب على الاقتراض الربوي ينبغي التخلص منها، بتوجيهها إلى المصارف العامة على سبيل التخلص وليس على سبيل التبرع؛ لأن اللهَ طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا(2)، ويُرجى أن يُثابَ على ذلك ثواب العفة عن الحرام، حتى لا يبقى التلويح بهذه الإعفاءات من عوامل تزيين الربا والإغراء به في هذه الأوساط.
وأرى أن القولَ الأول أظهرُ، وأن الأرباحَ التي تترتب على القرض بعد قبضه وصيرورته دينًا في ذمة المقترض لا علاقة لها بالفائدة الربوية الناتجة عن عملية الاقتراض ذاتها، وأن ما يديره المقترض بهذا القرض من استثمارات أو ما يحصل عليه من تسهيلات أو ما يُبذل له من مِنَح عليه غُرْمه وله غنمه، ولا علاقة له بالفائدة الربوية التي اشترطت في القرض والتي لا يتعداها التحريم إلى غيرها، هذا في إطار الحقوق والواجبات.
أما في إطار الورع والاحتياط فإنه يَحسُن القول بالتخلص من نصف هذه الأرباح أو التسهيلات أسوة بما فعله أمير المؤمنين عمر مع ولديه عندما دفع لهما أبو موسى الأشعري قرضًا من بيت مال المسلمين ليتجرا فيه، وينتفعا بربحه، ويسلما أصله إلى أمير المؤمنين، وأراد عمرُ مصادرةَ الربح كله لبيت المال، ونوقش في ذلك بأن المال لو تلف لكان ضمانه عليهما، فكذلك ينبغي أن يكون خراجه لهما، ثم انتهى الأمر إلى جعله قراضًا، وترك لهما نصف الربح، وأمرهما بتسليم نصفه الآخر إلى بيت المال(3).
فلعله يستأنس بذلك في التخلص من نصف المال بتوجيهه إلى المصارف العامة، وهذا على سبيل الاحتياط والاستحباب، وليس على سبيل الحتم والإيجاب. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) أخرجه أبو داود في كتاب «البيوع» باب «فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد به عيبًا» حديث (3508)، والترمذي في كتاب «البيوع» باب «ما جاء فيمن يشترى العبد ويستغله ثم يجد به عيبًا» حديث (1285)، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».

(2) أخرجه مسلم في كتاب «الزكاة» باب «قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها» حديث (1015)، من حديث أبي هريرة.

(3) أخرجه الشافعي في «مسنده» ص252 حديث (1235).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الربا والصرف, 06 قضايا فقهية معاصرة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend