أستاذي الفاضل، أرجو أن تكون في أتم صحة وعافية.
مقدمة للسؤال: رجل أعمال لا يتعامل إلا مع البنوك الإسلامية؛ تحريًّا للحلال، فيما يظن أنه أفضل الحلول الموجودة في واقعنا، ومن المنتجات المصرفية المعروضة في عدد من البنوك العربية منتج التَّوَرُّق تحت عدة أسماء، مثل: التيسير، التورُّق المبارك، تمويل الخير، مال، تمام، اليسر… إلخ.
ويهدف منتج التورُّق إلى توفيرِ السُّيولة النقدية إلى شريحة مهمة من عملاء المصارف من خلال أداة تمويلية دون تعريضهم لخسائر مالية كبيرة، كانت تحدث لهم عند شرائهم لسلع بالمرابحة وإعادة بيعها بأنفسهم بغرض الحصول على النقد.
وكما هو معلوم لدى فضيلتكم أن التورُّق الذي أجازه الفقهاء هو ما يعرف باسم «التورق البسيط» أو «التورق الفردي»، والذي يقوم على شراء فردٍ سلعةً بالأجل وبعد أن يتملكها يقوم هو بنفسه بإعادة بيعها نقدًا لطرفٍ آخر بقصد الحصول على النقد.
أما ما تُجريه البنوك حاليًّا ويعرف باسم «التورق المصرفي المنظم»، فله صورتان:
الأولى: تتم عملية التورُّق عن طريق السِّلع الدولية (المعادن)، وهي محل خلاف بين الفقهاء المعاصرين، وفي قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، بتاريخ 19- 23/ 10/ 1424هـ أفتى بعدم جوازه بالصورة التي عرضت عليه، والتي تتلخص في قيام البنك بشراء كمية من السلع من السوق الدولية ثم بيعها بالأجَل على عملائه الذين يُوكِّلون البنك ببيعها مرة أخرى على غير بائعها الأول نقدًا، وإضافة القيمة لحساباتهم طرف البنك.
كما اعترَض على «التورق المصرفي المنظم» بهذه الصورة عددٌ من العلماء المعاصرين؛ مثل: فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، والدكتور صديق الضرير، والدكتور حسين حامد حسان، والدكتور صالح الحصين، والدكتور مختار السلامي، وغيرهم.
الثانية: تتم عملية التورق عن طريق المرابحة؛ حيث يشتري البنك السلعة ثم يبيعها للعميل بالتقسيط، ثم يقوم العميل ببيعها بالنقد لطرف آخر دون أن يكون للبنك أي دور في عملية البيع الثانية، وهذه الصورة لا خلاف في صحتها وجوازها.
السؤال: هل يجوز لرجل الأعمال- السابق ذكره- أن يعطي مفردات مرتب (HR Letter) للموظفين لديه لإجراء هذه المعاملة رغبةً منهم في أخذ نقود وسيولة لهم؛ حيث إنهم لن يستطيعوا إجراء وتنفيذ هذه العملية من دون ورقة جهة العمل المطلوبة. خالص تحياتي وتقديري.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد تمهد في فقه الشريعة النهي عن كلِّ فعلٍ أعان على معصية، وعلى هذا فما اعتُقد حِله جازت له الإعانة عليه، وما اعتُقد حرمته لم تجز له الإعانة عليه؛ لعموم قوله تعالى ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].
وقرارات المجامع الفقهية في باب المعاملات المالية وغيرها أوثق في الجملة من الاجتهادات الفردية. والله تعالى أعلى وأعلم.