وفاء النذر على غير ما نُذر به للضرورة

سبق لي أن نذرت نذرًا عليَّ أنه إذا قضى الله لي حاجتي أن أصوم شهرًا متتابعًا. والحمد لله قضى الله لي ما أُريد، وأُريد أن أُوفِّي بالنذر بصيام الشهر ولكن حالتي الصحية لا تسمح لي بصيام هذا الشهر متتابعًا.
فهل لي أن أصوم هذا الشهر متفرقًا، أي بواقع يوم ويوم؟ وهل يصح النذر بالصِّيام بهذه الطَّريقة المتفرقة أم أنه لابُدَّ من الصِّيام المتتابع حسب نيتي وقت النذر؟ وهل يجوز كفارة ذلك النذر بصيام ثلاثة أيام فقط؟ أرجو الإجابة وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِه»(1)، ونَذْرُك نذر طاعة فيجب الوفاء به، ثم يُنظر بعد ذلك في مدى قدرتك على الوفاء، فإن كنت لا تستطيع صيام هذا الشهر متتابعًا ولا يُمكنك إلا أن تصومه متفرقًا فافعل ولا حرج؛ لأن اللهَ لا يكلف نفسًا إلا وسعها(2)، وقد قال صلى الله عليه وسلم : «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(3).
وقد أُمرنا بالوفاء بالنذر، فنأتي من ذلك ما استطعنا، والذي تستطيعه هو الصَّوم متفرقًا.
لما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ»(4).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإذا قصد الإنسان أن ينذر لله طاعة، فعليه الوفاء به، لكن إذا لم يوفِّ بالنذر لله فعليه كفارة يمين عند أكثر السلف»(5). والله تعالى أعلى وأعلم.

________________________

(1) أخرجه البخاري في كتاب «الأيمان والنذور» باب «النذر في الطاعة» حديث (6696) من حديث عائشة.

(2) قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 286]

(3) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الاعتصام بالكتاب والسنة» باب «الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم » حديث (7288)، ومسلم في كتاب «الحج» باب «فرض الحج مرة في العمر» حديث (1337) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(4) أخرجه أبو داود في كتاب «الأيمان والنذور» باب «من نذر نذرًا لا يطيقه» حديث (3322)، وابن ماجه في كتاب «الكفارات» باب «من نذر نذرًا ولم يسمه» حديث (2128)، وقال أبو داود: «روى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي الهند أوقفوه على ابن عباس»، وذكره ابن حجر في «تلخيص الحبير» (4/176) وقال: «رواه أبو داود من حديث كريب عن ابن عباس، وإسناده حسن، فيه طلحة بن يحيى وهو مختلف فيه، وقال أبو داود: روي موقوفًا. يعني: وهو أصح».

(5) «الفتاوى» (33/ 49).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   17 الأيمان

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend