نقدٌ وردُّه حول دورة نوازل الأسرة المسلمة خارج ديار الإسلام

سؤالي بل عتابي حول ما جاء في موقع الدكتور الشبيلي حول دورة نوازل الأسرة المسلمة خارج ديار الإسلام، تلك التي عقدها مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا؛ فقد ذكر فيه أحدُ المعلقين على هذا الموقع هذه العبارة: قرأت توصيات المؤتمرين، وبعميق الأسف أقول: يتحدثون كأنهم يعيشون في بروج عاجية، وكأنهم لا يعرفون شيئًا عن الأقليات المسلمة في أوربا وأمريكا وغيرهما، وليس لديهم أدنى فكرة عن الأوضاع والظروف وواقع الجالية هناك. دهشت لما قرأت، خاصة عن زواج المسلم بالكتابية. أقول: وأيُّ جديدٍ أتيتم به؟! وما أدهشني أكثر بل صعقني، حديثهم عن حضانة الكتابية بعد الطلاق، وكأنهم أسسوا دولةً في المهجر تحكم لهم وعلى مبدئهم.
فما هو تعليقكم على هذا الكلام؟!

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن أول ما أبدأ به تعليقي هو تحية العالم الشاب الدكتور يوسف الشبيلي، فقد خالطناه عن كثب فرأينا فيه الأدب الجم والخلق العالي الرفيع، والحلم والتواضع المدهش. نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدًا.
ومن البدهي أن يقال: إن الشيخ لا يسأل عما قد يشوب بعض التعليقات التي تُرفع على موقعه من الجفاء أو القسوة.
أما القائمون على هذه الدورة المذكورة فهم أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء بالمجمع، وجميعهم من حملة الدكتوراه في الشريعة، ومن المقيمين داخل الولايات المتحدة ومن المخالطين لجالياتها ومشكلاتهم عن كثب.
وليس كل ما هو معروف بالبداهة في الشرق يكون معروفًا بالبداهة في الغرب، حتى يقال: ما هو الجديد؟
فقد يكون التأكيد على بعض المعالم الشرعية والتنبيه عليها وقد أوشكت أن تندثر مع الاغتراب وقساوة ظروف المغتربين جديدًا بالنسبة للغرب، وإن كان بدهيًّا بالنسبة للشرق.
ودور أهل الفتوى حراسة آخرة المستفتين، والمرابطة على الثغور التي قد يؤتى من خلالها الدين.
أرأيت لو شاع في جالية من الجاليات زواج المسلمات بغير المسلمين فانبرى المجمع للتأكيد على حرمة هذا التصرف وبطلان هذه العقود ألا يكون مؤديًا للأمانة وقائمًا بمهمة المحافظة على الدين، وإن كان هذا الأمر بدهيًّا من حيث العلم به، ونادرًا من حيث وقوعه في الشرق؟ وهل يصلح أن يعترض عليه بأن يقال له: إن القضية بدهية فما هو الجديد؟!
هذا، وقد تضمنت الوثيقة توصيات عن قضايا جديدة شائعة في هذه المجتمعات كالزواج الصوري والطلاق الصوري، وولاية المراكز الإسلامية في أمر التزويج والتفريق بين الزوجين، وزواج الحبلى من الزنى، وتبني المهجرين من يتامى المسلمين خارج بلاد المسلمين، والحقوق المدنية للمطلقة في ثروة زوجها بعد الانفصال، وكل ذلك جديد في هذه المجتمعات.
ونحن ندرك بطبيعة الحال أننا لا نملك دولة تملك أمرها وتفرض قانونها في الغرب، ولكننا نعلم أنه من خلال التحكيم يمكن للمسلم الوصول إلى كثير مما يريد ومن خلال الإطار القانوني الفاعل في هذه المجتمعات، فعندما نحذر الجاليات المسلمة من مخاطر الزواج بغير المسلمات فلِمَا لاحظناه وعايشناه من عشرات ومئات المآسي التي تترتب على مثل هذا الزواج؟
وعندما ننبهها على المخاطر التي تنتظر الناشئة عند انفصال الأبوين وما يتوقع من تنشئتهم على غير الدين، وعندما نذكرهم بضرورة أن تتضمن وثائق الزواج شروطًا مسبقة يتفق عليها الطرفان قبل الزواج تؤمن هذا الجانب ويوقعان عليهما بكامل اختيارهما، فإننا بهذا ننصح لجالياتنا ونستثمر مناخ الحرية المتاح في هذه المجتمعات في تحصيل أقصى ما يمكن تحصيله من الخير ودفع أقصى ما يمكن دفعه من الشر.
وهب أننا لم نُوفَّق في شيء من ذلك كله، وأراد حبيبنا المعلق أن ينصح لنا: أليست الكلمة الطيبة صدقة؟ ألم يرسل الله من هو أفضل منه إلى من هو أسوء منا فقال لهما: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44]؟!
وهل من المناسب أن تشن الغارة على إخوة له مغتربين يسعون جهدهم في النصح للمغتربين خارج بلاد المسلمين، ويتحملون معهم مرارة الاغتراب وقساوة الأنظمة والقوانين التي جدَّت بعد أحداث سبتمبر، بدلًا من تقدير جهدهم والسعي لإقدارهم على القيام بمهمتهم وإعانتهم عليها؟
كنت أتوقع أن يقال: ما أجمل أن تعقد هذه الدورات في المهجر؟ وما أحسن أن يبقى نفس الاستمساك بالثوابت هو السائد عليها، ونحن هنا ردء لإخوننا ومدد لهم، وما يحتاجونه من الدعم البشري أو العلمي أو المادي، فنحن عمق لهم في ديار الإسلام، نكمل نقصهم، ونسد خلتهم، ونشيع حسناتهم ونستر سيئاتهم.
ثم ما كان من نصيحة فإنه يبذل في رفق وهوادة، فما دخل الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه(1).
ولكن بعضنا يأبى إلا تحطيم الهمم، وإشاعة الوهن، بقصد أو بغير قصد، فاللهم اغفر لإخواني حيثما كانوا، وارزقهم الرفق بأمتهم وإخوانهم حيثما كانوا. والله من وراء القصد. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) فقد أخرج مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «فضل الرفق» حديث (2594) من حديث عائشة عن النبي ﷺ أنه قال: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend