كنتُ قد استفتيتك في أمرنا وأحوالنا بعد الزَّواج الثَّاني، وقد وصلتني فتوى سماحتكم واضحةً جلية، فجزاكم الله خير الجزاء.
إلا أنني أحببت أن أُفصِّل لك الأمر والأحداث المتعلقة به والتطورات التي رافقته، وذلك أيضًا بناءً على طلب الطرف الآخر، فلربما كان لها تأثير في أمر الشَّرع لنا.
وأودُّ هنا أن أبدأ بالسُّؤال من جديد، وأسأل الله لي الصدق في القول؛ إنه هو السميع البصير.
أسكن في ولاية كاليفورنيا على الحدود المكسيكية، وأدعو إلى دين الله في المكسيك، وقد أكرمني الله بإسلام عدد من المكسيكيين، وكان من بينهم فتاة شاء الله أن تكونَ الزَّوْجة الثَّانية.
عائلتي الأولى مكونة من زوجة وأربعة أبناء، أكبرهم ابنةٌ عمرها تسعة أعوام، وأصغرهم ابن عمره عام وتسعة أشهر.
الزَّوْجة صالحة ومربية فاضلة وحبيبة فؤادي، وهي من أعز البشر على قلبي، لم تكن يومًا من المقصِّرات في أمر بيتها ولا حاجةِ زوجها ولا رعاية أبنائها، بل هي مضرب الأمثال للزوجات الصَّالحات، ولا يعاب فيها شيء قط.
بعد إسلام الفتاة المكسيكية عرضتُ عليها الزَّواج آخذًا برخصة الله لنا في تعدد الزوجات وتثبيتًا لها على دينها، وإحياءً لسنة الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم التي كادت أن تُلغى بين المسلمين وأصبحت تراثًا قديمًا يُعابُ نابشُه في يومنا هذا.
وكانت الزَّوْجة الثَّانية على علمٍ تام بأحوالي الاجتماعية والاقتصادية، وقد تم الزَّواج بعقد نكاح صحيحٍ كاتبه عارف بشرع الله وشروط النِّكاح وعالم بأحوالي الاجتماعية والاقتصادية، وشاهد عدلٍ ووليها كاتب العقد، وكان عندها اكتفاءٌ ذاتي لمتطلبات العيش والنفقة على نفسها وبيتها؛ لوجود دخلٍ شهري يكفي حاجتها مع مساعدتي لها في دفع أجرة بيتها.
وكتمت الأمر عن الزَّوْجة الأولى مدة من الزمن محاولًا تهيئة الأجواء، إلا أنه أتت الرياح بما لم تشتهِ السفن، فكان الرفض حال إخبارها بالأمر، إلا أنها بقيت في البيت محاولة تقبُّل الوضع الجديد، وعلى أمل أن أقوم بتصحيح ما اعتبرَته وأهلها خطأ وظلمًا لها وللأبناء، طالبين مني طلاق ضرتها.
فقمت بدعوتهم لتحكيم كتاب الله وسنة رسوله، إلا أنهم رفضوا، ثم غادرتِ البيت ذاهبةً إلى بيت أهلها، ثم عادت آملةً أن أطلق ضرتها، وكنت قد وعدتها بطلاق ضرتها لِما وصل إليه حالنا من عدم استقرار وسكينة انعكست على جميع أفراد العائلة، وأيضًا لِما كان من مخطط قبيح منها ومن شخص كان خطأ مني إدخاله واسطة بيننا؛ إذ قاموا بإقناعي بأن الزَّوْجة الثَّانية فاقدة للشرف تخونني متاجرة بشرفها وعِرضها بالرقص عارية في الحانات وإحياء حفلات خاصة لرجال الأعمال في غرف فندقية خاصة، وهي بذلك لا تصلح أن تكونَ زوجة لي.
وبناءً عليه وعدتها بطلاق ضرتها، إلا أن اللهَ برَّأها من كل التهم الملفقة في حقها، مما زادني تمسكًا بها والدفاع عنها وعن شرفها.
وشاء المولى أيضًا أن تكونَ حُبلى، مما قطع أي أمل بطلاقها، فغادرَتْ زوجتي البيت للمرة الثَّانية ثم عادت للبيت اعتقادًا منها ومن أهلها بأنني مصابٌ بسحر؛ وذلك لقول مَن يُسمَّون بمشايخ الجن لهم بأنني مسحور من الزَّوْجة الثَّانية، وأنَّ عليها أن تصبر حتى أُشفى وأعود إلى رشدي.
وفي تلك الفترة حدثت أمور كثيرة كان لها التأثير السلبي الكبير في مجرى حياتنا؛ إذ امتثلت الزَّوْجة الأولى وأهلها لأمر مشايخ الجن، فقالوا لها بأن تمنعني من الذهاب للزَّوْجة الثَّانية بأي طريقة ممكنة، فكان منها أن وضعت لي الحبوب المنوِّمة في الحساء وفي طعام الإفطار في شهر رمضان في ليلة ضرتها وهي تعلم بمسئوليتي لإمامة صلاة التراويح في المسجد، وذلك بهدف إبقائي بعيدًا عن ضرتها لحمايتي من سحرها، كما أوصاها شيخ الجن، وهذا بعلم والديها وأهلها وتأييدهم لها لاقتناعهم بأنني مسحور حسب زعمهم.
ثم كان منها أن اتفقت مع إخوتها بأن يأتوا بعد منتصف اللَّيل عند مبيتي في بيت ضرتها ويطرقوا الأبواب والشبابيك بشكل جنوني وبقطع التيار الكهربائي ثم تتصل بي خائفة تبكي لكي آتي على الفور من بيت ضرتها موهمةً إياي بأن ضرتها ترسل الجن لفعل هذا بها وبالأولاد.
استعنا بالله وصبرنا حتى زاد الأمر على ذلك، فقررت السَّفَر إلى ولاية أخرى بعد أن يسَّر الله لي عملًا فيها، فعرضت الأمر على الزوجتين فوافقت الزَّوْجة الثَّانية بدون شروط تاركة بلدها ومصدر رزقها، وبذلك أكون أنا المُعيل المنفق عليها، ووافقت الزَّوْجة الأولى بشرط أن تلحق بي هي أولًا ثم بعد شهر تلحق بي ضرتها.
إلا أن الأمر تغير وسارت الأمور في اتجاه غير متوقع؛ إذ حاولت بيع أثاث البيت للرحيل فكان المشتري والد الزَّوْجة الأولى، ظننت أنه لمساعدتنا، إلى أن سمعتُ ابنته تقول لأختها بأن والدها قال لها ألا تُعطيني المبلغ كاملًا، وأن تقول لي: إن هذا هو الثمن فقط، وذلك حتى لا يكون معي المال الكافي لفتح بيت لضرتها.
ثم زاد الأمر عن هذا الحد؛ إذ وصل الأمر لأخطر من هذا؛ إذ سمعت زوجتي تقول بأن والدها قال لها بأن تلحق بي إلى البلد الجديد، وألا تهتم بأمر ضرتها، حيث قال لها: اذهبي أنت ولا تهتمي، ونحن ندبِّر أمر ضرَّتك.
فما كان مني إلا أن أخرجت الزَّوْجة الثَّانية قبل الأولى ومن غير علمها وأهلها، وذلك حرصًا على سلامتها والجنين، حيث أبطل ما كان بوسعهم عمله وهو تعطيل مغادرتها على الحدود الأمريكية مع المكسيك.
فكانت الزَّوْجة الثَّانية قبل الأولى بشهر واحد دون علم الأولى، ولم تكن تعلم بأنني على علم بكل الأمور التي حدثت من حبوب التنويم والأعمال الأخرى وما قال لها والدها.
وعند مجيء الأولى إلى بيتها الجديد أخبرتها بعلمي بكل ما فعلوه، وقلت لها: إنني عفوت عنها وعن أهلها، وأن نفتح صفحة جديدة، وأن نمضي قدمًا في الحياة الجديدة.
إلا أنها لم تُطِق هذه الحياة ، فجاء والدها بعد شهرين وغادرت معه والأولاد، آخذين معهم أثاث البيت بدون إذني، وقد رجوتها رجاءً شديدًا وبكيت لها دموعًا حارَّة لتبقى إلا أنها أصرَّت على الذهاب، واتفقت مع والدها أن تبقى في بيته بضعة أشهر تراجع نفسها وتفكر في أمرها.
وكنت على استعداد لأن أبعث بمبلغ من المال شهريًّا ابتداءً من نهاية الشهر الثَّاني لرحيلها، إلا أنها استبقت الأمور ورفعت شكوى في المحكمة تدَّعي فيها أنني عازم على خطف الأبناء، وأنها تطلب حماية الدَّولة مني، فقام أخي بالاتصال بوالدها منكرًا عملهم المخالف لما اتفقنا عليه، فكان ردُّ والدها أنه إذا أردتم أن نتنازل عن القضية فيجب عليكم التنازل رسميًّا عن الأولاد.
وفي تلك الفترة وُضِع لي ولزوجتي الثَّانية على شاشات الإنترنت تسجيل فيه تهديد لها بالقتل، ظاهر فيه العبارات الساقطة في حقنا، عارضًا صور زوجتي قبل إسلامها كاشفًا لعورتها ، وعُمِّم ذلك التَّسجيل عند أهل قريتنا في فلسطين وفيه من الكلام والخوض في عرض زوجتي واتهامها بالدعارة قبل إسلامها وبعده، فمنَّ الله علينا بالصبر والاحتساب، وزاد ذلك من إيماننا.
ورزقنا الله بطفلة عمرها الآن ثمانية أشهر، بعد شهرين من رحيل الزَّوْجة الأولى عادت الزَّوْجة الثَّانية إلى المكسيك لكي تُجدِّد تأشيرة الزيارة للولايات المتحدة، ولكن عند عودتها للحدود الأمريكية وجدت أن شخصًا ما أخبر السلطات الأمريكية بأنها خالفت القانون الأمريكي بمكوثها في الولايات المتحدة وإنجابها للطفلة هناك، فرفضوا تجديد التأشيرة لها ومُنعت من دخول الولايات المتحدة، وبذلك تكون قد خسرت أهلها وعملها وتأشيرتها ولا معيل لها إلا أنا.
فما كان مني إلا أن لحقت بها وابنتي، ونحن الآن نسكن في المكسيك على الحدود الأمريكية، عشنا مدة شهرين بدون عمل إلى أن منَّ الله عليَّ ببعض المال من الأصحاب كدين، ففتحت تجارةً كانت كافية للإنفاق آنذاك على بيتنا فقط.
ونحن الآن في نعمة وفضلٍ من الله، وفي استطاعتي أن أفتح بيتًا آخر للزَّوْجة الأولى في هذا البلد، عافيًا عما سلف حبًّا للزَّوْجة الأولى وتجميعًا لشمل عائلة تبعثرت ذاهبًا ضحيتها الأولاد، ووفاءً مني لعِشرة العمر والفضل الذي كان بيننا، ضامنًا لها حياةً أمينةً عادلة.
علمًا بأنَّ المنطقة التي أسكن فيها من أرقى مناطق المكسيك، ومنطقة آمنة معظم سكانها من الأمريكيين، ومنطقة سياحية والمدارس فيها أفضل من المدارس الأمريكية.
وقد قمنا بعون الله بفتح مسجدٍ وتجميع جالية إسلامية، وهذا البلد أرض خصبة للدعوة إلى دين الله، وتقبُّل أهله للإسلام أسهل من أي بلد آخر، مما يجعل من الرُّجوع للولايات المتحدة أمرًا شبه مستحيل، ولا نمنُّ على الله إلا أنني وزوجتي ركيزة في هذا المسجد والدَّعْوة في هذا البلد، فأنا العبد الفقير من يعلم المسلمين الجُدُد أحكام وتعاليم دينهم وإمام المسجد، وكذلك زوجتي فهي تعلم النِّساء وهي أساس الدَّعْوة في هذا البلد، لالتزامها باللباس الشَّرعي وهو ما كان سببًا لسؤال النَّاس عن دينها، وقد كان مِن بين مَن اعتنقوا الإسلام عدد ممن هداهم الله بسبب دعوتها.
زوجتي الأولى غائبة عن بيتها مدة تسعة أشهر إلى يومنا هذا، إلا أنني أذهب لزيارتها والأبناء كل أسبوع، وقد دعوتها مرارًا للعودة إلى بيتها إلا أنها ترفض كل عرض للرجوع بوجود ضرتها، فشرطها الوحيد هو طلاق ضرتها، وإن لم يكن فطلاقها هي وإنهاء كل أمر بيننا.
تديم القول بأنها مظلومة بفعلي هذا، وأن الإسلام لا يُبيح الزَّواج الثَّاني لمن لم تكن زوجته مقصِّرة في أمره وبيته، وتقول ووالدها: إنه في حال إصراري على عدم طلاق ضرتها ستذهب إلى محكمة إسلامية وتسأل القاضي الخلع حتى يُتيح لها الزَّواج من آخر، إلا أنها صابرة على أمرها هذا بسبب تأكيد شيوخ الجن لها بأنني مسحور وأني سأعود إلى صوابي.
علمًا بأن قرار زواجي الثَّاني كان بإرادة وإدراكٍ تام منِّي، آخذًا برخصة الله لنا في تعدد الزوجات، وتثبيتًا لمسلمةٍ جديدة على دينها في ظل ظروف كادت أن تفتنها عن دينها، ولا أريد طلاق أيٍّ من الزوجتين مهما ساءت الأمور، راجيًا الفرج القريب من الله.
وقد توصَّلنا أخيرًا إلى اتفاق عن طريق خالها جزاه الله خيرًا، بأن تكونَ فتواكم حَكَمًا بيننا وعلى الطرفين الالتزام بحكم الشَّرع.
ما الواجب علينا فعله في مثل وضعنا؟ وهل ما فعلتُه يُعتبر ظلمًا للزَّوْجة والأبناء؟ أم هي بفعلها وتركها لبيتها تكون ظالمة؟ ما حكم الشَّرع في النفقة الواجبة عليَّ مدة غيابها في مثل الحالة الاقتصادية التي مررت بها وفترة مكوثها في بيت والدها؟ وما قول الشَّرع في حال عدم موافقتها للعودة إلى بيتي في البلد الذي أعيش فيه وإصرارها على البقاء في الولايات المتحدة؟
علمًا بأن ما أجنيه من أرباحٍ يكفي للإنفاق على بيتين في هذا البلد الذي أعيش فيه (المكسيك) ولا يكفي للنفقة على بيتٍ في بلدي، وآخر في الولايات المتحدة لغلاء المعيشة فيه، ولا مجال للعودة إلى الولايات المتحدة ولا أريد؛ إذ عشت فيه مدة عشر سنين ولم أخرج منه إلا بديون تجارية وبعض الديون للأقارب والأصحاب؟
وما هي نصيحتكم للزَّوْجة الأولى؛ إذ هي على يقين كما تقول بأن ضرتها عملت لي سحرًا لأتزوجها، وبذلك تكون قد دمَّرت حياةَ عائلة، مما جعلها تؤكد حقَّها في الانتقام من ضرتها، حتى إنه وصل الأمر لارتكاب جريمة؟
عذرًا للإطالة، لكن عسى الله أن يجعلَ الحل والفرج عن طريقكم.
جزاكم الله خيرًا، وبارك فيكم، ونفع بكم، وجعلكم دائمًا أهلًا ومقصدًا للخير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلَ لك من ضيقك فرجًا ومن عسرك يسرًا.
لم أهمل رسالتك، وقد تلقيتها منذ فترة، وما كان لي أن أهملها، والعلم رحم بين أهله، والدَّعْوة رحم بين أهلها! ولكن حال دون جوابي أسفار وأحوال طرأت، ولعل هذا كان ترتيبًا من الله عز و جل ليضاعف لك أجرك بطول احتسابك وصبرك!
عجبت من قولك في صدر الرسالة: الزَّوْجة صالحة ومربية فاضلة وحبيبة فؤادي، وهي من أعز البشر على قلبي، لم تكن يومًا من المقصِّرات في أمر بيتها، ولا حاجة زوجها ولا رعاية أبنائها، بل هي مضرب الأمثال للزوجات الصَّالحات، ولا يُعاب فيها شيء قط.
ثم مما ذكرته بعد ذلك من ذكرك لما كان منها: من مخطط قبيح منها ومن شخص كان خطأ مني إدخاله واسطة بيننا؛ إذ قاموا بإقناعي بأن الزَّوْجة الثَّانية فاقدة للشرف تخونني متاجرة بشرفها وعِرضها بالرقص عارية في الحانات وإحياء حفلات خاصة لرجال الأعمال في غرف فندقية خاصة، وهي بذلك لا تصلح بأن تكونَ زوجة لي، وبناءً عليه وعدتها بطلاق ضرتها، إلا أن اللهَ برَّأها من كل التهم الملفقة في حقها مما زادني تمسكًا بها والدفاع عنها وعن شرفها.
ثم مما ذكرته بعد ذلك من قولك: وُضِع لي ولزوجتي الثَّانية على شاشات الإنترنت تسجيل فيه تهديد لها بالقتل ظاهر فيه العبارات الساقطة في حقنا، عارضًا صور زوجتي قبل إسلامها كاشفًا لعورتها، وعمم ذلك التَّسجيل عند أهل قريتنا في فلسطين وفيه من الكلام والخوض في عرض زوجتي واتهامها بالدعارة قبل إسلامها وبعده.
ثم ما ذكرته بعد ذلك من لجوئها وأهلها إلى مشايخ الجن، وأنهم قد نصحوا لها بأن تمنعك: من الذهاب للزَّوْجة الثَّانية بأي طريقة ممكنة، فكان منها أن وضعت لي الحبوب المنوِّمة في الحساء وفي طعام الإفطار في شهر رمضان في ليلة ضرتها وهي تعلم بمسئوليتي لإمامة صلاة التراويح في المسجد، وذلك بهدف إبقائي بعيدًا عن ضرتها لحمايتي من سحرها، كما أوصاها شيخ الجن، وهذا بعلم والديها وأهلها وتأييدهم لها لاقتناعهم بأنني مسحور حسب زعمهم. ثم كان منها أن اتفقت مع إخوتها بأن يأتوا بعد منتصف اللَّيل عند مبيتي في بيت ضرتها ويطرقوا الأبواب والشبابيك بشكل جنوني وبقطع التيار الكهربائي ثم تتصل بي خائفة تبكي لكي آتي على الفور من بيت ضرتها موهمةً إياي بأن ضرتها ترسل الجن لفعل هذا بها وبالأولاد.
يعسر على مثلي تفهُّم ثنائك عليها ثناء مطلقًا في صدر الرسالة مع كل ما ذكرته من هذه الأعمال التي قد استزلها الشَّيطان إليها وسوَّلها لها!
ومن هذه الأعمال ما لا يمكن الاعتذار عنه ولا تخريجه، اللَّهُمَّ إلا بالإقرار بالخطيئة والتَّوْبة منها والعزم على عدم العودة إليها!
لقد ذكرت لي يا صاحب الفضيلة وقائع لم أشهدها ولم أكن طرفًا فيها، ولم أسمع من الطرف الآخر ما يصدقها أو ينفيها، ولكنني أقول: إن صحَّ ما تقول، ولم يكن لدى الطرف الآخر ما ينفيه فإن الأمر فيما سقته من أسئلة بيِّنٌ جليٌّ:
تقول: هل ما فعلته يعد ظلمًا للزَّوْجة والأولاد؟
والجواب: ليس فيما فعلت ظلم لهم، اللَّهُمَّ إلا إذا اتهمت الشَّريعة نفسها بالظُّلم، وحاشا شريعة الله ذلك! وحاشا رب العالمين أن يظلم عباده مثقال ذرة! وهو الذي حرم الظُّلم على نفسه وجعله فيما بين عباده محرمًا(1).
تقول: أم هي بفعلها وتركها لبيتها تكون ظالمة؟
والجواب عن ذلك: يتوقَّف على مدى صدقها فيما ذكرته من عجزه عن إطاقة التعدد، فإن كانت صادقة في ذلك وكانت لا تطيق ذلك وأن هذا يعد فتنة لها في دينها فإن لها أن تطلب الخلع تاركة لك كل شيء رادة عليك ما بذلته لها من مهر، فإن تركت لها شيئًا من ذلك كان محض إحسان ومروءة منك!
أما اشتراطها عليك تطليق ضرتها فهو محض بغي يسخطه الله ورسوله! وليس لها إلا أن تطلب منك العدل في علاقتك بكلتيهما(2).
أما النفقة ففرق بين نفقتها ونفقة الأولاد، إن نفقة الأولاد واجبة على كلِّ حالٍ، أما نفقتها فيسقطها نشوزها وامتناعها عن اللحاق بك، وقد رتبت لها الأوضاع وفتحت لها الأبواب ويسرت لها السبل، وفرشت لها المطارف والحشايا! فإن طابت نفسك ببذل هذه النفقة لها استعتابًا لها وتطييبًا لخاطرها فمردُّ ذلك إلى مروءتك ووفائك! ولا أحسبك إلا أهلًا لذلك!
أما نصيحتي للزَّوْجة الأولى فأقول لها: اتقي الله واعلمي أنك موقوفة بين يديه، ودعي عنك حديث الجن وأوليائهم! وقد نصحتك سابقًا بالرُّجوع إلى بيتك وزوجك، وها أنا ذا أُكرِّر النصيحة، فإن عجزت عن إطاقة ذلك بالكلية، وخشيت الكفر في الإسلام كما خشيت زوجةُ ثابت بن قيس فأمامك الخلع فاطلبيه بحقه، وهو أن تردي إلى زوجك ما بذله لك من مهر إلا إذا طابت نفسه بتركه.
واتقي الله في خصومتك، واحذري أن تتلبَّسي في خصومتك بربع النفاق، فإن المنافقين فقط هم الذين يَفجُرون في خصوماتهم(3)! وحاشاك وأنت الصَّالحة المربية الفاضلة بشهادة زوجك من الوقوع في هذه الوهدة؟؟!
اللَّهُمَّ اربط على قلبها وردها إليك ردًّا جميلًا، اللَّهُمَّ أنقذ سفينة هذا البيت من الغرق! اللَّهُمَّ ارحم أطفالهم! ولا تعرضهم لليتم وآباؤهم لا يزالون على قيد الحياة! اللَّهُمَّ آمين. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) ففي الحديث الذي أخرجه مسلم في كتاب «البر والصله والآداب» باب «تحريم الظلم» حديث (4674) من حديث أبي ذر رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ قال: قال الله «إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَّالَـمُوا».
(2) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «الشروط التي لا تحل في النكاح» حديث (5152)، ومسلم في كتاب «النكاح» باب «تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك» حديث (1413) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَـهَا مَا قُدِّرَ لَـهَا».
(3) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الإيمان» باب «علامة المنافق» حديث (34)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان خصال المنافق» حديث (58)، من حديث عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنه : قال: قال رسول الله ﷺ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»