ما الأولى: تسديد الدين أم الزَّواج؟

تُوفي أبي وساعدني عمِّي- رحمة الله عليهما، فقد تُوفي هو أيضًا- بمبلغ كبير من المال للحصول على شقَّة لي للزواج، وقد كان يُحب أبي كثيرًا وأنا مثل ابنه.
كان في الأصل لا يُريد تسديدَ المال له كدَين، وكان يعتبره مساعدةً من دون ردٍّ، ولكن أمي وأخي رفضوا بشدة وأصرُّوا على أنه دَين سيُرد إليه بإذن الله.
لنا قطعة من الأرض إرث أبي رحمة الله عليه، فأصرَّ كلٌّ من أخي الأكبر وأمي على أن هذه الأرض الآن ملك عمي مقابل المبلغ المالي الذي أعطاه لي، فوافق عمي تحت الضغط وأخبر أعمامي أنه قال أنه موافق فقط ليُريح أمي وأخي، وأنه عند زواجي بإذن الله لن يأخذ شيئًا وسيترك الأرض لي لأتصرَّف فيها لتكملة مصاريف الزَّواج.
مَرِض عمِّي مرضًا شديدًا بعدها وطلب مني أن أستعلم عن سعر الأرض ليُعطيني باقي حقِّها لأنه لا يعرف إذا كان سيحيا أم لا، فاستنتجت أنه بعد مرضه وقلقه على أبنائه قرَّر أن يكون المبلغ ليس من باب الهبة ويكون من باب الدين، لم أهتمَّ لأننا جميعًا كنا نتوقَّع شفاءه كما قال الأطباء وقلت له: لا تقل هذا وسيشفيك الله بإذن الله وتقوم ونتصرَّف فيها معًا.
ولكنه تُوفي وطالبتُ زوجته بالمال بعد وفاته مباشرة وقلت لها: إن الاتفاق كان على شراء الأرض. ولكنها رفضت؛ فهي لا تُريد الأرض وتريد المال، أخبرتها أن تصبر قليلًا لأنها تعلم أنني ليس معي مالٌ الآن إلى أن أبيعَ الأرض وأسدِّد لها المال، ومؤخرًا حدثت مشاكل في بيع الأرض وتعذَّر بيعها لفترة قد تطول.
السُّؤال هو: معي مبلغٌ من المال بحمد الله الآن وأُريد الزَّواج بشدة، وهذا المبلغ لا يحتمل تسديدَ المال لزوجة عمِّي والزَّواج معًا، وهي تُصر بشدة على الحصول على المال ولا تُريد الانتظار لنتصرَّف ونحل مشاكل الأرض، وتقول أنها ليس معها مال، على الرغم من أن أقاربي يقولون أن هذا غير صحيح، وإن معها الكثير مما ترك لها عمي بحمد الله.
وأنا أستطيع أن أُسدِّد نصف الدَّين وأتزوَّج بالباقي، فهل أفعل هذا أم أُسدِّد الدَّين كله وأؤجل الزَّواج؟
وأنا أرغب أيضًا بشدة في أن أُضحي في العيد لأنها كانت عادةً لأبي العزيز طوال حياته لا أُريد أن أقطعها، ومبلغ الأضحية قليل جدًّا بالمقارنة بمبلغ الدَّين ولا يؤثر إن ادَّخرته وسدَّدته لها، ولكنها تُريد أيَّ مبلغ أستطيع أن أُوفِّره ولو كان صغيرًا أن يكون لها. فماذا أفعل يا سيدي وما هي الأولويات؟ وجزاكم اللهُ خَيْرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
ففرَّج الله عنك يا بني همَّك وكربك، وجعل لك من عسرك يسرًا، وأرى أن الأولوية لسداد الدَّين، إلا إذا وافقت زوجةُ عمِّك على أن تقبل نصف ما معك وتُنظِرك ببقية دينها إلى أن تتزوَّج ويُحدث الله لك سعة من أمرك، وإنني على يقين بإذن الله يا بني أن الله سيجعل لك فَرَجًا ومَخْرَجًا، فمثلك لا يضيعه الله، وقد أحقَّ الله على نفسه إعانةَ الناكح الذي يُريد العفاف(1). زادك اللهُ حرصًا وتوفيقًا، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (2/437) حديث (9629)، والترمذي في كتاب «فضائل الجهاد» باب «ما جاء في المجاهد والناكح» حديث (1655)، والنسائي في كتاب «الجهاد» باب «فضل الروحة في سبيل الله عز و جل » حديث (3120)، وابن ماجه في كتاب «الأحكام» باب «المكاتب» حديث (2518)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله ﷺ: ««ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى الله عَوْنُهُمْ: الْـمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الله، وَالْـمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ»»، وقال: «حديث حسن»، وذكره الألباني في «صحيح الجامع» حديث (3050).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend