لماذا حرم الله الزنى وأباح ملك اليمين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن تحريمَ الزنى محكم في الشرائع السماوية جميعًا، حيث لم يُبح الزنا في شريعة سماوية قطُّ؛ قال تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [31] وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا. [الإسراء: 32].
وقد قال أحد العارفين: «الزنا عارُه يهدم البيوت الرفيعة، ويُطاطىء الرءوس العالية، ويسوِّد الوجوه البيضَ، ويخرس الألسنة البليغةَ، ويهوي بأطول الناس أعناقًا وأسماهم مقامًا وأعرقهم عزًّا إلى هاوية من الذُّلِّ والازدراء والحقارة ليس لها من قرار، وهو أقدر أنواع العار على نزع ثوب الجاه مهما اتَّسع، وهو لُطخة سوداء، إذا لحقت أسرةً غمرت كل صحائفها البيض، وتركت العيون لا ترى منها إلا سوادًا حالكًا، وهو العار الذي يطول عمرُه طويلًا، فقاتله الله من ذنب وقاتل فاعليه»!!
أما ملك اليمن فهو أمرٌ لم يستحدثه الإسلام، بل استحدث السعيَ في تصفيته وتخليص البشرية منه، واستحدث أثناء السير في طريق تصفيته تقريرَ أعلى الضمانات الشرعية لحفظ حقوق الرقيق وكرامتهم.
فقد جاء الإسلام والرقُّ شائع في أمم الأرض كلها، وظل ذلك إلى وقت قريب، فأغلق الإسلام جميع طرق الاسترقاق وحرمها جميعًا، إلا طريقًا واحدًا هو الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، معاملة بالمثل لما كان سائدًا في تلك الفترة من تاريخ البشرية، ثم فتح كثيرًا من الأبواب للخروج من الرقِّ والتخلص منه بالكلية، فحث على العتق، ورغب فيه بكل وسيلة، وجعله كفارةً لكثير من المخالفات الشرعية، وخصص نصيبًا من الزكاة لعتق الأرقاء، وحثَّ على مساعدتهم حتى يتخلصوا منه بصفة نهائية، وعندما اتفقت أممُ الأرض في هذا العصر على تحريرِ العبيد كان المسلمون أولَ من رحَّب بذلك؛ لأن دينهم كان يسعى إليه، لذلك لا يوجد دين من الأديان عرف للأرقاء حقَّهم واعتنى بآدميتهم وسعى في تخليصهم كالإسلام.
وإذا حملت الأَمَةُ من سيدها صارت أمَّ ولد لا تُباع ولا تُوهب ولا تُورث، وتعتق على سيدها بمجرَّد موته، فوطؤُه لها سبيلٌ إلى إعفافها في إطارٍ مقنَّن منضبط تحفظ فيه الحقوق، وهو كذلك سبيلٌ إلى تحريرها وإخراجها من نطاق العبودية بالكلية.
والحديث عن الرقِّ حديثٌ قد مضى زمانه؛ لأن الرق لم يعد موجودًا، فلا يكون الحديثُ حوله إلا لمجرد الشغب والشقاق والمحادة. والله تعالى أعلى وأعلم.