أنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمري، وتقدم لي شاب زميلي في العمل، متزوج ولديه ثلاثة أطفال، ملتزم والحمد لله، أحسبه على ذلك، وكان هو سببًا من الله في التزامي والحمد لله أحسب نفسي على ذلك. وعندما تقدم أول مرة رفضه أبي بشدة وهدده بالبعد عني، ولكنه أصر وتقدم مرة أخرى ورفضه أيضًا أبي بشدة وهدده بأولاده وأساء إليه.
ولكن هذا الشاب أصرَّ وتقدم مرة ثالثة هو ووالده لأبي، وفي هذه المرة وافق أبي، ولكن اشترط شروطًا مبالغًا فيها جدًّا؛ ولأنني أرى أنها مبالغ فيها تنازلت له عنها ولم أطالبه بها، والحمد لله تمت خطبتنا ونزلنا واشترينا الشبكة وحجزنا قاعة العقد.
وقبل الزواج بأسبوع اتصل أبي به وكلمه بطريقة غاية في السوء يعاتبه أنه لا يستأذنه في كل خطوة نخطوها، وتلفظ بألفاظ خارجة مع العلم أن هذا طبع والدي ربنا يهديه.
ولكن الشاب لم يحتمل هذا الأسلوب، وطلب مني أن ينهي الموضوع أو أجعل والدي يعتذر له كي يردَّ له كرامتَه.
ولكني لم أستطع فعل ذلك، وعندما اتصل به الشاب مرة أخرى لكي يتفق معه على ميعاد للحضور للبيت للمصالحة تحدث أبي مرة أخرى معه بنفس الطريقة.
فاعتذر الشاب تمامًا وتركني، وهذا قبل الزواج بثلاثة أيام. من السبب؟ أنا أثق في رؤياك يا فضيلة الشيخ.
انصحني؛ أنا أحتاج إلى النصيحة. أعلم أنه قدر الله وما شاء فعل، ولكني لا أستطيع أن أنفي حزني ويأسي مما حدث، فلم أعد راغبة في الحياة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد نصحت لكما يا بنيتي، ولا يخفى من عرضك للمشكلة أنك لا يد لك فيها، ولكن تمضي الأمور بمقادير، وإنني متفهم لموقف الشاب، ولكن كنت أرجو ولا أزال أن يقدر تضحيتك ووقوفك بجواره، وأن يصبر نفسه قليلًا على الأذى، وألا يفطر ويفسد صومه قُبيل المغرب بدقائق.
وأيًّا كان الأمر يا بنيتي فإنه لا يفيد كثيرًا أن نكثر البكاء على اللبن المسكوب، بل إن استطعنا أن ننقذ بقيته قبل أن تراق فَعَلْنا، وإلا فوَّضنا أَمْرنا إلى الله عز وجل، وأحسنَّا به الظن، وأيقنَّا أنه أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، وأن اختياره لنا أولى من اختيارنا لأنفسنا، وكم من مرة يصر الإنسان في حياته على أمر لو أمضاه الله له لكان فيه حتفه وهلاكه.
فلنبذل الأسباب الطبيعية لاستنقاذ الموقف؛ فإن يسر الله الأمر فبها ونعمت، وإلا فلنرضخ لقدر الله وحكمه الكوني، وهو جل وعلا أهل التقوى وأهل المغفرة، وهو الحنان المنان القريب المستجيب. والله تعالى أعلى وأعلم.