عقد نكاح بولي وشاهد غير مسلمين

شيخنا الكريم، كيف حالكم؟ لقد طال انقطاعكم عن هذه المدينة، ونأمل أن نسعد بزيارة قريبة عندنا إن شاء الله.
جاءني أحد الإخوة بعد خطبة الجمعة، والظاهر عليه أنه حديث عهد بالتزام، وأخبرني بأنه تزوج من امرأة نصرانية منذ سنوات بحضور والدها النصراني وموافقته، إلا أن الزواج قد تم عند قاض مدني ولم يكن معهم سوى شاهد مسلم واحد وشاهد ثان ولكنه نصراني. فما العمل في مثل هذه الحالة؟ علمًا بأنهما يعيشان كزوجين منذ سنوات؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإنه يشترط للزواج من الكتابية ما يشترط للزواج من المسلمة من الولي والشهود، ويشترط في الشهود عند جمهور أهل العلم(1) أن يكونوا من المسلمين، كما يشترط عند الجمهور أن يكون الإشهاد عند العقد(2)، وأجاز المالكية(3) أن يكون الإشهاد عند الدخول، وجعلوا الإشهاد عند العقد من المستحبات.
والذي ينبغي في هذه المسألة هو المبادرة إلى إعادة العقد واستيفاء نصاب الشهادة على النحو المشروع، وما مضى كان نكاح شبهة يدرأ به الحد ويثبت به النسب. والله تعالى أعلى وأعلم.

______________

(1) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (5/35): «(قال): ولا يجوز النكاح بين مسلمين بشهادة عبدين أو كافرين أو صبيين أو معتوهين أو نساء ليس معهن رجل؛ لما قلنا فإن كان معهم شاهدان حران مسلمان جاز النكاح؛ لوجود شرطه، فإن أدرك الصبيان وعتق العبدان، وأسلم الكافران ثم شهدوا بذلك عند الحاكم جازت شهادتهم؛ لأن شرائط أداء الشهادة إنما تعتبر عند الأداء، وهو موجود، والعتق والإسلام والبلوغ ليسوا من شرائط التحمل فتحملهما كان صحيحا حين تحملا؛ لأن التحمل ليس بشهادة، والحرية والإسلام والبلوغ تعتبر في الشهادة فلهذا جازت شهادتهما».
وجاء في «بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (2/253-254): «(فصل): ومنها الإسلام في نكاح المسلم المسلمة فلا ينعقد نكاح المسلم المسلمة بشهادة الكفار؛ لأن الكافر ليس من أهل الولاية على المسلم قال الله تعالى {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} وكذا لا يملك الكافر قبول نكاح المسلم ولو قضى قاض بشهادته على المسلم ينقض قضاؤه».
وجاء في «البجيرمي على الخطيب» من كتب الشافعية (3/387-392): «(ويفتقر الولي والشاهدان) المعتبرون لصحة النكاح (إلى ستة شرائط) بل إلى أكثر كما سيأتي الأول: (الإسلام) وهو في ولي المسلمة إجماعا وسيأتي أن الكافر يلي الكافرة، وأما الشاهدان فالإسلام شرط فيهما سواء أكانت المنكوحة مسلمة أم ذمية إذ الكافر ليس أهلا للشهادة».
وجاء في «شرح الزركشي» من كتب الحنابلة (5/20-26): «قال: وشاهدين من المسلمين. ش: أي لا ينعقد إلا بشاهدين من المسلمين، وهذا هو المشهور عن أحمد، رواه الجماعة، واختاره الأصحاب».

(2) جاء في «بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (2/256): «(فصل): وأما بيان وقت هذه الشهادة – وهي حضور الشهود – فوقتها وقت وجود ركن العقد – وهو الإيجاب والقبول – لا وقت وجود الإجازة حتى لو كان العقد موقوفا على الإجازة فحضروا عقد الإجازة ولم يحضروا عند العقد لم تجز؛ لأن الشهادة شرط ركن العقد فيشترط وجودها عند الركن، والإجازة ليست بركن، بل هي شرط النفاذ في العقد الموقوف وعند وجود الإجازة يثبت الحكم بالعقد من حين وجوده فتعتبر الشهادة في ذلك الوقت. والله تعالى الموفق».
وجاء في «مغني المحتاج» من كتب الشافعية (4/234-238): «ثم شرع في الركن الثالث، فقال: (ولا يصح) النكاح (إلا بحضرة شاهدين) لخبر ابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل، فإن تشاحوا فالسلطان ولي من لا ولي له. قال: ولا يصح في ذكر الشاهدين غيره، والمعنى في اعتبارهما الاحتياط للأبضاع وصيانة الأنكحة عن الجحود. تنبيه: إنما عبر بالحضور ليفهم عدم الفرق بين حضورهما قصدا أو اتفاقا أو حضرا وسمعا العقد صح وإن لم يسمعا الصداق، ويسن إحضار جمع زيادة على الشاهدين من أهل الخير والدين. قال الرافعي: ذكر في الوسيط أن حضور الشهود شرط، لكن تساهل في تسميته ركنا، وبالجملة حضورهم معتبر في الأنكحة، ولذا عبر المصنف بحضور».
وجاء في «نهاية المحتاج» من كتب الشافعية (6/217-220): «(ولا يصح) النكاح (إلا بحضرة شاهدين) ولو اتفقا بأن يسمعا الإيجاب والقبول للخبر الصحيح: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل».
وجاء في «كشاف القناع» من كتب الحنابلة (5/65-66): «فصل: الشرط الرابع الشهادة على النكاح (احتياطا للنسب خوف الإنكار فلا ينعقد النكاح إلا بشاهدين) روي عن عمر وعلي وهو قول ابن عباس رواه الدارقطني لما تقدم ولما روت عائشة مرفوعا: لا بد في النكاح من حضور أربعة الولي والزوج والشاهدين. رواه الدارقطني. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البغايا اللواتي ينكحن أنفسهن بغير بينة. رواه الترمذي. ولأنه عقد يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحد أبوه فيضيع نسبه بخلاف غيره من العقود».

(3) جاء في «المنتقى» من كتب المالكية (3/312-314): «ويجوز عندنا أن ينعقد النكاح بغير شهادة ثم يقع الإشهاد به بعد ذلك، وبه قال عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير وعبد الله بن الزبير والحسن بن علي ومن المحدثين عبد الرحمن بن مهدي وزيد بن هارون. وقال أبو حنيفة: لا بد من شاهدين وإن كانا فاسقين أو أعميين أو محدودين في قذف ويجوز فيه رجل وامرأتان. وقال الشافعي: من شرط صحة النكاح مقارنة الشهادة لعقده فإن عرا عن الشهادة حين العقد وجب فسخه لفساده وأقل ذلك شاهدا عدل وبه قال الأوزاعي والثوري وابن حنبل وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري والنخعي».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend