ضرب الزوج زوجته

ما حكم ضرب الزوج للزوجة، وإهانتها؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الله تعالى قد تعبَّد الأزواجَ بمعاملة نسائهم بالمعروف، وجعل ذلك قرآنًا يُتلى، فقال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19]. وجعل قاعدة الحياة الزوجية ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: 229].
فمن عجز عن الإمساك بالمعروف فأمامه التسريح بإحسان، ولا يعجز عن كليهما إلا جهول أو ظلوم.
وضربُ المرأة الـمُطيعة القائمة بحقوق زوجها بغيٌ وظلمٌ يسخطه الله ورسوله، وقد قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34].
فإن ظنَّ الزوجُ أنه عال فوق زوجته وكبير في مواجهتها، فإن الله هو الأعلى وهو الأكبر، والله أقدرُ عليه من قدرته عليها، و«إِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(1)، وهو خرابٌ للبيوت العامرة، وسيد الأولين والآخرين الذي جعلَه الله قدوةً للعالمين لم يضرب بيده خادمًا ولا امرأة قطُّ إلا أن يجاهد في سبيل الله.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضَرَبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قَطُّ بيده ولا امْرَأَةً ولا خَادِمًا؛ إلا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ الله، وما نِيلَ منه شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ من صَاحِبِهِ إلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ من مَحَارِمِ الله، فَيَنْتَقِمَ لله عز وجل(2).
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الخيارَ من الناس هم الذين لا يضربون نساءهم؛ فعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ الله». فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرن النساء على أزواجهن، فرخِّصْ في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءٌ كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ؛ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ»(3).
ولهذا المسلك شُؤمه على الناشئة، فالذي يضربُ أمَّ أولاده على مرأى ومسمع منهم كيف يصلح مربيًا لهم؟! وكيف يُنشئهم على برِّ أمهم، وتوقير أبيهم ومحبته؟!
نعم لقد جاء في كتاب الله عز وجل الإذنُ بضرب النساء الناشزات، فقال تعالى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: 34].
ولكن هذا الضرب لا يكون إلا بعد استنفاذ المرحلتين اللتين وردتَا في كتاب الله قبل ذلك، وهما: الوعظ، والهجر في المضجع. وهو ترتيبٌ واجب عند جمهور الفقهاء(4). فلا يقفز إلى مرحلة إلا بعد أن يمُرَّ بالتي سبقتها، فقد يكون فيها غُنية.
وهذا الضرب يكون بسواكٍ ونحوه، فلا يُسيل دمًا، ولا يَكسِر عظمًا، ولا يكون في الوجه، فهو أدخل في باب الإيذاء النفسي منه إلى الإيذاء البدني.
هذا. وإن استطالة بعض الأزواج على نسائهم هو الذي أغرى غير المسلمين باللمز في شريعتنا، والقدح في ديننا، وجعلوا للمرأة قضيَّةً في ديار الإسلام، حيث نسبوا هذه الاستطالة الظالمة زورًا إلى الشريعة، والشريعة من ذلك براء. وإنما هو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وبغي بعض الأزواج واستطالتهم، وسوء خلق بعض النساء ونشوزهن على أزواجهن.
أسأل الله جل وعلا أن يوفق الأزواج جميعًا رجالًا ونساء إلى طاعته، وأن يأخذ بنواصيهم جميعًا إلى ما يحب ويرضى. والله تعالى أعلى وأعلم.

_______________________

(1) أخرجه ابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق» (13/ 313) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

( 2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المظالم والغصب» باب «الظلم ظلمات يوم القيامة» حديث (2447)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «تحريم الظلم» حديث (2579)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(3) أخرجه مسلم في كتاب «الفضائل» باب «مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام واختياره من المباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته» حديث (2328).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend