تزوجتُ حديثًا، وأعيش مع زوجي كأننا زملاء في الدراسة ولسنا بأزواج، يخرج مبكرًا جدًّا في الصباح ويرجع متأخرًا جدًّا في المساء، يفصل ماله عن مالي، ونتحاسب كلما خرجنا على ما صرفناه، ويدفع كل منا نصيبه حتى في طعامنا وشرابنا، إذا عاد بطعام آخر اليوم يجلس يأكل وحده، وربما دعاني بفتور وقال: هل تريدين جزءًا من هذا الطعام؟
هو مهندس كبير وأنا محاسبة، تركت العمل في المحاسبة مخافةَ الربا، وأدرت عملًا صغيرًا يُدِرُّ علي بعضَ الدخل، وكلما أدرك أن معي مالًا طلبه مني كلَّه أو بعضَه فأعطيه مخافةَ المشاكل، أمتلك سيارة وأحتاجها في إدارة عملي، وهو يستأثر بها معظم الوقت، وعندما تتعطل أكون أنا المسئولة عن إصلاحها.
أنا في حيرة، لست متفقهةً في الدين، هل هذا هو الشرع ولابد لي من قبول هذه الأوضاع لأكون زوجةً صالحة؟
تتنامى في صدري أوجاع، وأخاف أن تزيد مع مرور الأيام فتهدم البيت كله. أفتونا جزاكم الله خيرًا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأصلح الله لكِ زوجَك يا بنيتي وأصلحك له وجمع بينكما في خير.
ما ذكرتِه من هذه الثنائية في حياتكما الزوجية يا بنيتي أمرٌ مؤلم، يقتضي المراجعةَ والعتب الذي يكون بين المحبين، ولا يكون المخرج بأن تتنامى في صدرك الأوجاع والغصص، بل في تلمُّس الحلول والمخارج، والتقدم بخطوة إلى الأمام نحو الحل.
أظن أنك في حاجة إلى أن تبحري في أعماق زوجك لتقفي على طموحاته الدينية والدنيوية وتشاركينه فيها، وتعملان معًا على تحقيقها.
حول الثنائية والاندماج:
أظن أنه ينبغي أن تكون البداءة بأن تجتهدي في أن تُخرجي زوجك من قضية الثنائية في العلاقة المالية والمعيشية بينكما.
أنتما أسرةٌ واحدة، فلا يصلح أن تُقام فيها الحواجز، فيقال: فلوسي وفلوسك، ومالي ومالك، وحياتي وحياتك. ينبغي أن تكون حياتكما حياةَ الخلطة والمشاركة، فتلك هي سُنة الشرع وسنة الحياة.
تودَّدي إليه ما استطعتِ، إذا كان يأتي من الخارج بطعامه ويجلس ليأكل وحده كما تقولين، فعامليه بعكس هذا.
أخِّري تناول طعامك إلى أن يعود، وقولي له لا يطيب لي طعامٌ ولا شراب بدونك، وقد انتظرتك طوالَ الوقت حتى أسعد بالأكل معك والتحدث إليك.
وإذا كان زوجك لم يتعود على هذه الخلطة لظروف تتعلق بالنشأة أو لأي سبب آخر، فعليك عبءُ المباردة لإخراجه من هذه الثنائية، ولتكن المبادرة من جانبك بتضحيةٍ صادقة، وبدورس صامته.
قولي له: نريد أن نخطط لحياتنا، أن نخطط لتطوير بيتنا واستكمال مرافقه، وابدئي بحاجته، قولي له: أريد أن أجهز لك مكتبًا في البيت يليق بك وبضيوفك، وأن يكون لي دور في تهيئته وتجهيزه بأحسن أثاث يليق بمثلك.
قولي له: نريد أن نرتب لبيزنس مشتركٍ. انثري كنانتك بين يديه، لقد بعنا كذا، وربحنا كذا، ونخطط لكذا، ونشتري كذا، ونحلم بكذا، وللمرأة وسائلها في الإبحار في أعماق زوجها، والدخول في شعاب قلبه وشغافه. ضعوا الخطة معًا، وضعي ما أفاء الله به عليك من مال بين يديه.
إذا شعرت أنه عتَب عليك في موقف تعالي إليه، وضعي يديك في يده، وقولي له: لا أذوق غمضًا حتى ترضى، كما أرشد إلى ذلك سيدي وسيدك صلى الله عليه وسلم.
ولو كان أمامي لقلت له:
يا بني: إن القوامة التي جعلها الله لكَ على زوجتك تقتضي منك تدبير شئونها، والقيام على أمورها كلها. تقتضي أن تشقَى أنت لتسعدَ هي، وأن تكدح أنت لتستريح هي، وأن تظمأ أنت لترتوي هي. وأنت بهذا تُمارس رجولتك وقوامتك التي جعلها الله لك على زوجتك.
ربما يا بني لم تتعود على تحمل المسئوليات، أو لم تجد من يُدرس لك الحقوق والواجبات الزوجية، فالتمس هذا العلم من مظانِّه، لكي تقيم بيتك وحياتك على وفاق الشرع المطهر.
بالنسبة للسيارة:
السيارة: قد يكون فعلًا يا بنيتي في حاجة إليها لإدارة أعماله، وأنت في حاجة إليها كذلك، لو احتكمنا لقواعد العدل فأنت أولى بها لأنها ببساطة سيارتك.
أما لو احتكمنا لقواعد البر والفضل لقلنا: إن لكليكما فيها حقٌّ، وينبغي أن تنسق الأمور، من خلال الحوار العاطفي الدافئ والهادئ، فتتقاسمان المنافع بمنطق الإيثار والنبل.
وينبغي أن يكون الطموحُ أن تشتروا سيارتين تُحقق لكل منكما راحتَه، وترفع معاناته وعذاباته، ويمكن أن توضع خطة مشتركة، كأن ينشأ صندوق مشترك بينكما وتتصارحان بحقيقة دخلكما، ومن خلال التفاني والمثابرة قد تحققان ذلك في خلال عام مثلًا، وليس ذلك على الله بمستبعدٍ، وما ذلك على الله بعزيز.
بالنسبة لسهر زوجك في الخارج
قد يكون مردُّ هذا إلى طبيعة الشباب، وكلامي هذا ليس تسويغًا لسهره على هذا النحو، ولكنه مجرَّد تفسير فقط، وأسأل الله أن يُصلحه لك وأن يردَّه إليك.
ويبقى أن عليك واجبًا شرعيًّا واجتماعيًّا يقتضي مهارةً نسوية، كيف تحببين بيتك إلى زوجك؟! كيف تجعلينه يخرج من عمله فيستعجل العودةَ إلى المنزل؟! فإذا دخل إليه لا يخرج منه إلا قدرَ ما تقتضيه حاجته المهنية والمعيشية.
ابحثي في أعماقه كرجلٍ وفي أعماقك كامرأة، وحاولي أن تجدي جوابًا عن هذا السؤال: لماذا يقضي زوجي معظمَ وقته خارج البيت؟!
أرجو أن يوفقك الله في تحليل أسباب هذه الظاهرة، وأن يوفقك في تلافي هذه الأسباب، وأن تجعليه إذا دخل بيتَه يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. واعلمي أن السنةَ الأولى هي أحرج السنوات في حياة الزوجين، إذا مرت على خيرٍ فقد استوت سفينة حياتهما على بر السلامة بإذن الله.
بالنسبة للفلوس التي يأخذها منك: فمن المعلوم أن الزوجةَ تستقلُّ بما تكسبه من العمل، ولا حقَّ لزوجها فيما تكسبه إلا بطِيبِ نفس منها، أو بحسب الاتفاق بينهما، أو العرفِ المعمول به في المحلة التي يقيمان بها، وأن للمرأة في الإسلام مسلمةً كانت أو غيرَ مسلمة ذمَّتُها المالية المستقلة، فتستقل بالتصرف فيما تملكه من مالٍ وما تكسبه من ثروة، ولكن ما أجمل أن تدخلي بشيء من هذا المال السعادةَ على قلب زوجك، فإن أعظم الناس حقًّا على المرأة زوجها وليس أباها كما أخبر عن ذلك سيدي وسيدك صلى الله عليه وسلم.
نصيحتي أن تُعطيه ما يطلب، وأن تقولي له: إن كنت يا زوجي في حاجة إلى المزيد، فكل ما أملك رهنُ إشارتك، وإن كنت في غنًى عنه دعنا ندخره، لنحقق طموحنا في تدبير أمورنا، واستكمال مستلزمات بيتنا، وشراء سيارة جديدة، بل سيارتين: إحداهما لي، والأخرى لك.
بنيتي: الفلوس دخلت في حياة الزوجين في الغَرب فأفسدت عليهم دينهم ودنياهم، صفاء النفس والسلامة الداخلية في البيت وفي النفسِ أغلى من كل كنوز العالم بأسره، زوجك أغلى من كنوز الدنيا، وبسمة رضا من عينيه أجمل من كل ما أشرقت عليه الشمس.
المال يا بنيتي غادٍ ورائحٌ، وله وظيفة اجتماعية وشرعية، وهي أن نُسعد به من حولنا، ولمثل هذا تُكتسب الأموال، وتدخر الأموال، وتنفق الأموال.
اجلسي مع نفسك جلسةَ مراجعة وتدبُّر، وأنا على يقين أن لديك من رجاحة العقل وشفافية النفس ما أرجو أن ينفعك الله به عز وجل، وما أرجو أن لا يسلمك إلا إلى خير. والله تعالى أعلى وأعلم.