كنا في بلاد الغربة سعداء أنا وزوجي، ولدينا ثلاث بنات، ثم تعرَّف زوجي على امرأةٍ متزوجة مسيحية وأقام معها علاقة بالحرام لمدة عامين، وأنا عرفت منذ البداية، حاولت معه بكل الوسائل والتفاهم والرجاء أن يقلع عن ذلك، وكان دائمًا يكذب ويخادع؛ فقد عذَّبني ودمَّر نفسيتي، وتدخَّل الأخيار ولم يرتدع، حتى هي حملت منه، وبعدها طُلِّقت وتزوَّجها، وقد دُمِّرتُ تمامًا حتى هربت لأهلي في بلدي، وبعدها لحقني وقال: كل شيء انتهى.
وقد طلَّقها، ورجعت لأجل بناتي الخمس، وأنا محطمة تمامًا، وقد حاولت هي ملاحقته، وبعد عامين اكتشفت أنهما عادا لبعضهما، وما زالت زوجته، ويقابلها في نفس بلدي.
أنا الآن في قمة الانهيار، فهما دمراني، وهو لا يهتم لتأثير الموضوع على بناتنا، ومنهن مراهقات، وخاصة أن معها بنت زنًا ليست باسمه.
فماذا أفعل؟ أرجوكم.
خائفة ومحطمة تمامًا، أنا أكرهه؛ فقد هدم عائلةً، كلنا كنا نطلب رضاه، أصبحنا الآن تُعَساء وهو ما زال يكذب ويخادع الجميع. المشكلة فيه أنه يفعل ما يخطر بباله دون تفكير، وكذلك هي تفعل ما تريد من أعمال حتى لو أثر على حياة بناتي بين المجتمع دائمًا.
ألجأ إلى الله عز وجل وأستغفر، ولكن في معظم الأحيان أشعر أني أختنق، أشعر أني أصبحت إنسانة سيئة كثيرة الشك، وسوء الظن وعدم الثقة؛ لأني أعيش ضغطًا نفسيًّا وتناقضًا في المشاعر من كرهي له وحبي لبناتي والخوف من هدم بيتي.
ماذا أفعل معه؟
مع العلم بأنه لا يصلي، وحاولت معه بكل الوسائل المحببة، وهو إنسان لا يُؤمَن جانبه.
مع العلم بأنني ما زلت لا أقصر معه في أي شيء، ولكن ليس حبًّا، بل خوفًا من أذاه، فأنا أسايره إلى أبعد الحدود.
فهل أنا ضعيفة؟ أرجوكم، ماذا أفعل؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأعانك الله يا بنيتي على هذا البلاء، وكتب لك ثواب الصابرات، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].
واعلمي أنه لم يُنزَل بلاء إلا بذنب، ولم يُكشَف إلا بتوبة(1)، فاصدقي اللَّجْءَ إلى الله عز وجل، وأحسني في عبادته؛ ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾} [الأعراف: 56].
ونوصيكِ بأن تستعيني يا بنيتي بالصبر والصلاة، وأن تعلمي أنه لا يزال البلاء بالعبد المؤمن حتى يمشي على الأرض وليست عليه خطيئة واحدة(2).
ونُحذرك من القنوط من رحمة الله أو اليأس من رَوْحه، فإنه لا يقنط من رحمة الله إلا الضالون(3)، ولا ييئس من روحه إلا القوم الكافرون(4).
واعلمي يا بنيتي أن للحياة الزوجية طريقين لا ثالث لهما: فإمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان(5). وأنت في هذا الموقف صاحبة الخيار؛ فإن كنت قد استنفدتِ كل طرق الإصلاح، وشعرت أن الأمر فوق طاقتك للتحمُّل، وأنك تعيشين فتنةً في الدين والدنيا، وأنه لم يبقَ في قوس الصبر مَنْزَع- فتشاوري مع أبويك في شأن طلب المفارقة، وأفضي إليهم بسِرِّك، وسليهما العونَ بعد الله عز وجل، سِيَّما بعد ما ذكرتِ مِن تَرْكه للصلاة ومعاودته للعلاقة مع هذه المرأة، وعدم أمنك بوائِقَه.
وبناتُكِ سيتولى الله أمرهم؛ فهو خالقهم وهو كافيهم، ولن يضيع أحدٌ كَفَله سيده وخالقه.
وإن كان ثمَّةَ رجاءٌ في استصلاح الأحوال فتمسَّكي بذلك يا بنيتي حفاظًا على بناتك ووفاء لهم.
واعلمي كذلك أن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامها، وإن شاء أزاغها(6). ولا يعظم شيء على فضل الله عز وجل.
وبادري دائمًا إلى الاستشارة والاستخارة بين يدي كل قرار تتخذينه.
وأسأل الله يا بنيتي أن يُلهمك رشدك، وأن يأخذ بناصيتك إلى ما يحبُّ ويرضى، وأن يقدِّر لَكِ ولبناتك الخيرَ حيث كان، وأن يرضِيَكم به. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) أخرجه الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (1/ 124) حديث (727) من قول العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
(2) أخرجه الترمذي في كتاب «الزهد» باب «ما جاء في الصبر على البلاء» حديث (2398) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ؛ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ». وقال: «حديث حسن صحيح».
(3) قال تعالى: ﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر: 56].
(4) قال تعالى: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].
(5) قال تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: 229].
(6) فقد أخرج الترمذي في كتاب «القدر» باب «ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن» حديث (2140)، وابن ماجه في كتاب «الدعاء» باب «دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم» حديث (3834) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ». فقلت: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟! قال: «نَعَمْ؛ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الله يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ»، وقال الترمذي: «حديث حسن».