حول استضافة زوج أمه عنده على غير رغبة زوجته!

أنا سيدة متزوجة منذ 15 عامًا، لي 4 أولاد، وانتقلت لكندا مع زوجي منذ زواجنا، زوجي هو الابن الذكر الوحيد وله أخت واحدة من عمري، تزوجت مؤخرًا وتعيش مع زوجها في كندا أيضًا بالقرب منا، وقد انتقل والد زوجي إلى الرفيق الأعلى منذ 5 أعوام، أما والدته فهي تعيش الآن بمفردها في مصر بعد زواج ابنتها.
والدة زوجي لها أخ يعيش معها في نفس البناية وأخت تعيش في البناية المجاورة، وهي بصحة جيدة والحمد لله وميسورة الحال أيضًا.
المشكلة الآن أن والدة زوجي تضغط عليه حتى تأتي لتعيش معنا بصورة شبه دائمة، (بمعنى أن تقيم في كندا معظم العام وتذهب إلى مصر في الشتاء لمدة شهرين أو ثلاثة على الأكثر).
وهي تريد أن تقيم معنا فقط ولا تريد أن تقسم مدة إقامتها في كندا بين ابنها وابنتها؛ لأن زوج ابنتها قد ألمح لها أنها إذا أرادت أن تعيش في كندا فتعيش عند ابنها، وكنت حاضرة في هذه الجلسة، ولذلك تتعللت أخت زوجي بضيق المكان حتى لا تستضيف والدتها؛ حيث إنهم يقطنون بشقة صغيرة ونحن نقطن في بيت، مع العلم والله أنه في أول زواجي كنت أسكن في شقة أصغر من شقتها وجاءت للزيارة وأقامت عندنا أكثر من شهر ثم ذهبت وجاءت والدتها وأقامت شهرًا هي الأخرى.
ورغم ذلك لا تكُفُّ أخت زوجي عن الإلحاح على والدتها بالمجيء إلى كندا للفسحة والتنزه، مفترضة طبعًا أنها سوف تُقيم معنا فقط، مما يزيد من إحراج زوجي أمام والدته.
ولا أخفي عليك سيدي أن والدة زوجي قد آذتني كثيرًا بالقول والفعل، وأحيانًا بتقليب زوجي عليَّ وإشعال الخلاف بيننا، ودائمًا ما كان زوجي يتهمني بأني أنا المخطئة وأني لا آخذ تصرفاتها معي على محمل حسن، حتى شاء الله أن يعترف لي زوجي مؤخرًا وبعد سنوات من القهر أنه يعلم أنها هي المخطئة في تأزم الوضع بيننا، بل واعترف أيضًا أنه يعرف أنها امرأة شديدة الغيرة على حد قوله. وهذا كفيل وحده أن يجعلني أخشى وجودَها معنا بصورة دائمة.
ومما زاد التين بلة أنها كانت تأتي لزيارتنا عدة مرات من قبل، وقد لاحظت في آخر مرتين جاءت فيهم والدة زوجي لزيارتنا أنها لا تترك خزانة في البيت إلا وفتحتها وتطلعت إلى ما بداخلها، حتى غرفة نومي وأشيائي الخاصة.
زد على ما سبق أنها شديدة السيطرة على زوجي، ففي وجودها يجب أن تكن هي الآمر الناهي، ويكن رأيها ساريًا وإلا غضبت منه، وهو ينصاع لها ليس عن ضعف ولكن خوفًا من أن يكن عاقًّا بها، وأن يأتي مذنبًا يوم القيامة أمام الله عز وجل. فزوجي إنسان طيب وعلى خلق ودين
وعندما لا تكون متواجدة معنا فعلى زوجي أن يحكي لها خلال مهاتفته لها كل ما يدور في حياتنا وكأنها معنا في المنزل، وقد رجوته كثيرًا أن يخفف من هذا الفعل لما فيه من انتهاك لخصوصية حياتي، ولأنه بذلك إنما يُشعل غيرتها أكثر ولا يُطفئها، ولكنه دائمًا ما كان يتعلَّل بأنه لا يريدها أن تشعر أنه يُخفي عليها شيئًا فتغضب عليه.
الآن زوجي يجهز لها أوراق الإقامة الدائمة، وقد طلب مني أن تأتي لزيارتنا لمدة شهر هذا العام ولم يصرح بالباقي، ولكني أعلم أنه حين تنتهي أوراقها سيطلب مني أن تأتي لتقيم معنا بصورة دائمة، حتى تستطيع الحفاظ على الإقامة والحصول على جواز السفر حسب القانون الكندي.
وقد وافقتُ أن تأتي والدته للزيارة بشرط أن تقسم مدةَ إقامتها بين بيتنا وبيت أخته، فقال أنه لا يستطيع أن يطلب من أخته أن تستضيف والدتها أسبوعًا أو اثنين إن لم تعرض هي استضافتها. فرفضتُّ لما في ذلك من تحميل زائد عليَّ؛ حيث سيكون لزامًا عليَّ ليس فقط أن أستضيف والدته رغم إيذائها لي، ولكن أيضًا أن أستضيف أخته وزوجها بصورة شبه يومية حتى تستطيع أن تجلس مع والدتها وتشبع منها، وأنا التي أعمل خارجَ المنزل حتى أُعِين زوجي على نفقات الحياة وأعود إلى بيتي لأقوم بكل واجبات المنزل والأولاد دون مساعدة من أحد؛ لأنه لا يحب المساعدة في الأعمال المنزلية.
وطلبت من زوجي أن يذهب هو لزيارة والدته في مصر، فرفض متعللًا بأن الأوضاع غيرُ مستقرة في مصر الآن، وغضب وقال أن هذا بيته وله الحق أن يستضيف من يشاء متى شاء وللمدة التي يشاؤها، وأن عليَّ الانصياع لذلك دون اعتراض، وأنه إذا ارتأيت أنه يقع عليَّ ظلم منه فليس لي إلا أن أصبر وأجري على الله، أو أن أطلب الطلاق، ولكن ليس لي الحقُّ في أن أُعاتبه أو أراجعه، بل هددني أني إذا أطلعت أهلي على هذا الأمر وطلبت منهم التدخل بيننا (مع العلم أني طول مدة زواجي لم أطلب منهم التدخل في حياتي أبدًا، بل هو من كان يذهب ويحكي لوالدته عن خلافاتنا) أو إذا طلبت التدخل من شيخ المسجد (وهو متخصص في المشاكل الزوجية) فإنه سوف يعتبر هذا بمثابة طلب الانفصال من ناحيتي.
أنا الآن ينتابني شعور بالقهر والظلم الشديدين، وأشعر أني أعيش كما الأَمَة في بيتي وأنا الحُرة التي لم تُقصِّر يومًا في رعاية بيتها وزوجها وأبنائها بشهادة زوجي نفسه.
سؤالي هو:
1- أليس لي الحقُّ في أن أرفض استضافةَ من يُؤذيني ويُوغِر صدر زوجي عليَّ، وأرى أن وجوده في البيت قد يُؤدي إلى خرابه، نظرًا لحوادث سابقة ليس هنا مجال لسردها؟
2- هل حقًّا ليس لي أن أُعاتب زوجي إذا وقع عليَّ منه ظلمٌ؟
3- هل إذا طلبت الانفصال في حالة ما إذا أصرَّ زوجي على مجيء والدته للإقامة معنا بصورة دائمة أكون آثمةً أو ظالمةً لأولادي؟
فأنا لا أخفي عليك سيدي أني لا أستطيع تحمُّل وجودها معي في نفس البيت بصورة يومية، وأنا الآن أصبحت أُعاني من بعض الأمراض العضوية التي لم تجد لها طبيبتي المعالجة أيَّ سببٍ عضوي وأرجعتها إلى أني ربما أتعرض لضغط نفسي شديد.
4- هل تنصحني أن أطلب من والدي التدخُّلَ أم أن هذا سوف يزيد الطين بلة؟
5- هل صحيح أنه ليس على زوجي إثمٌ إذا أطلع والدته على كل ما يدور في المنزل طالما لم يمس العلاقة الخاصة؟
آسفة للإطالة، وجزاكم الله عني كل خير.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأبدأ بتقرير حقيقة شرعية وهي أنه لا يُقضى بين اثنين حتى يُسمع من كليهما، وما ذكرتِ- وفَّقك الله- كان حكايةً للمشكلة من جانبك، ولم ندر ماذا لدى الزوج من رواية، ولم نستمع إلى ما عنده من شكاية.
ثم أُثَنِّي بالتأكيد على فكِّ الارتباط بين الشرع المطهر وبين ممارسات بعض المتدينين، فما يحدث منهم تجاوزٌ وإساءة لا ينبغي أبدًا أن يُحسب على الشريعة، بل عليهم ما حُمِّلوا، والشريعة بَراءٌ مما كسبوا، ويوم يرجعون إليهم سينبئهم بما عملوا، وكان ربك بصيرًا.
وأوجز حديثي في النقاط الآتية:
• زوجك معذورٌ في استضافة أمه إذا لم يكن لها بديلٌ سواه، فقد تعبَّده الله ببِرِّها، وأختُه معذورة في التردُّد في استضافتها، فهي ليست صاحبةَ الحق في الإذن في بيتها لمن تشاء، فزوجُها هو صاحب الحق في ذلك، فهو صاحب القرار في بيته، وله أن يأذن وله أن لا يأذن. فلا ينبغي أن تُحمَّل ما لا طاقة لها به، ولا يدَ لها به.
• ولك الحق في خصوصيتك في بيتك، فإذا لم يكن في مقدور زوجك أن يوفر لأمِّه مسكنًا مستقلًّا يقوم على رعايتها فيه، فائتمروا بينكم معروف، لتصلا إلى صيغة مناسبة.
• على زوجك أن يُراجع نفسه في منعك من الشكاية لمثل إمامِ المسجد؛ لأن إمام المسجد يمثِّل الشرع المطهر، ولا يُمنع أحدٌ من التحاكم إلى الشرع فيما ينزل به من نوازل، لا أقصد إمامًا بعينه، بل أقصد مبدأَ التحاكم إلى الشرع، فإذا كان لزوجك مشكلة مع إمام المسجد القريب، فله أن يتجاوزه إلى غيره، ولكنه لا يملك منع التحاكم إلى الشرع من حيث المبدأ.
• راجعي نفسك في موقفك من أمِّه، الغيرة تحجب عنك الرؤية، وتحملك على ما لا تُحمد عقباه من الانهيار الأسري، لو أنزلت هذه السيدة منزلةَ أمك وتقربت إلى الله ببرها والإحسان إليها رُبما تغيَّر الموقف بالكلية.
• الزوج حاكمٌ مدنيٌّ وليس حاكمًا عسكريًّا، فلزوجته الحقُّ في مراجعته ومعاتبته، وكانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه القول، وقد تهجره إحداهن اليوم إلى الليل(1)، ودعي زوجك يراجع تفسير سورة التحريم فسيجد ذلك مسطورًا في بدايات تفسيرها.
• ليس من المناسب أن تطلبي الانفصال عن زوجك وأن تَطلِقي الرصاصة القاتلة على حياتك الزوجية لهذا السبب، بعد عشرة دامت خمسة عشر عامًا، وبعد ما رزق الله منها أربعة من الولد.
• ليس من المناسب إدخال الأهل لحلِّ هذه المعضلة إلا إذا تفاقمت الأمور، وكنتم بالفعل على مشارف الطلاق، فهنا يأتي قول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35].
• أما إِطلاعُ زوجُك أُمَّه على تفصيل حياته ما لم يمس حياتكما الخاصة فدعي ذلك له، وإن كان ينصح بالاقتصاد في ذلك؛ لاسيما إذا كانت امرأةً غيور، وقد تحملها الغيرة على تحريضه على زوجته، وإغرائه بظلمها، والوقيعة بينها وبينه من حيث لا تشعر.
• وأخيرًا نوصيك بأن تستعيني بالصبر والصلاة، وأن تتضرعي إلى الله في الأسحار أن يصرف عنكما السوء، وأن يحملكما في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة، وهو اللطيف المستجيب. والله تعالى أعلى وأعلم.

______________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «الطلاق» باب «في الإيلاء» حديث (1479).

تاريخ النشر : 23 يناير, 2025
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend