الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على رسوله الذي لا نبي بعده، وفضل الله على الفقهاء الذين بذلوا لخدمة الإسلام جهده. أمَّا بعد:
إن النِّساء في ديارنا يُشاركن الرِّجال في كافة أعمال معيشة الحياة: من الزراعة والصناعة والفلاحة والتِّجارة وغير ذلك، ومع ذلك لا يملكن مالًا خاصًّا لأنفسهن، مع زعمهن أنهن شركاء مع الرِّجال في هذا المال، كما أنهن إن جاءت إليهن الهدايا أو الأموال من الميراث أو من أقاربهن يجمعن هذه الأموال أيضًا إلى أموال الرِّجال.
الخلاصة: لا تصرُّف للنساء في الأموال الآن، فما الحكم- إذا مات الرَّجُل قبل المرأة- في تقسيم التَّرِكة؟ هل نُعطي للمرأة الربع أو الثُّمن، أو نعطي للمرأة نصف المال قبل التقسيم باعتبار أن المرأة شريكٌ للرجل؟ بارك اللهُ فيكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد بيَّن الله جلَّ وعلا نصيبَ النِّساء في تركة أزواجهن، فقال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: 12].
هذا فيما يتعلَّق بحقوق الميراث، ولكن هذا لا ينفي ما وراء ذلك من الحقوق إن انعقدت أسبابها، فلو أن امرأةً شاركت زوجها جنبًا إلى جنبٍ في بناء ثروته، وعملت معه في تكوينها عملًا يتجاوز حدود الأعمال المنزليَّة التي تقوم بها ربَّة البيت فإن هذا يُنشيء لها حقًّا مدنيًّا في أموال زوجها خارج نطاق التَّرِكة يأتمر فيه الزَّوجان بينهما بمعروفٍ، وعند التَّنازع يُحال الأمر إلى القضاء أو إلى التَّحْكيم لتقرير التَّعْويض العادل، سواء باعتبارها شريكةً في هذا المال أو باعتبارها عاملة لدى زوجها على ما تراه هيئة التَّحْكيم مناسبًا.
وقد سبق لمجمع فقهاء الشَّريعة بأمريكا أن بحث هذه المسألة، وانتهى فيها إلى هذا القرار:
حول مشاركة المرأة زوجها بخبرتها وعملها في أعماله وحقِّها في ثروتِه بناء على ذلك:
الأصل هو قيام الحياة الزَّوجيَّة على التَّكافل والمشاركة والمعاشرة بالمعروف، فعلى الزَّوج القيام بالأعمال التي تكون خارج المنزل، وعلى الزَّوجة القيام بما يكون من العمل داخله.
وللمرأة في الإسلام- مسلمة كانت أو غير مسلمة- ذمَّتها الماليَّة المستقلة، فتستقل بالتَّصرُّف فيما تملكه من مالٍ وما تكسبه من ثروة، ولا يُحجر عليها إلا بالأسباب الشَّرْعيَّة العامَّة للحجر والتي يستوي فيها الرِّجال والنِّساء.
الأصل هو قرار المرأة في بيتها لرعاية زوجها وولده، وعلى زوجها واجب إعاشتها بالمعروف، ولا تلزم بالمشاركة في الإنفاق على البيت ولو كانت غنيَّة.
وإذا أذن الزَّوج لزوجه في العمل فإنها تستقلُّ بما تكسبه من هذا العمل، ولا حقَّ له فيما تكسبه إلا بطيب نفسٍ منها؛ لأنه قد أسقط حقَّه في احتباسها من أجله بإذنه لها في العمل.
ولا حرج في أن يتَّفق الزَّوجان على مشاركة المرأة العاملة في الإنفاق على البيت لقاءَ ما فوَّتت عليه من الاحتباس في البيت رعايةً لبيته وولده، ويأتمران في ذلك بالمعروف.
إذا شاركت الزَّوجةُ زوجها في استثماراته التِّجارية بخبرتها وعملها مشاركةً تتجاوز حدود الخدمة المنزليَّة التي تكون بين الزَّوجين في العادة كان لها في ثروته نصيبٌ يُرجع في تقديره إلى أهل الخبرة حَسَبَما بذلت من جهدٍ وما تحصل من ثروة. هذا وبالله التَّوفيق. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.