حبس أهل الزوجةِ الزوجةَ عن زوجها

سيادة المفتي، رجاء إفادتنا بفتواكم أفادكم الله بما هو صالح للأمة الإسلاميَّة جميعًا.
أنا مهندس مُتزوِّج منذ سنتين تقريبًا، على قدر معقول من الثقافة العامة، وحسن المعاملات المادية والأخلاقية، وأراعي الله في عملي، وألتزم بحدود الله.
واللهُ أهدى لي زوجةً صالحة ونعم الخلق، وعلى قدر كبير جدًّا من طاعة الله، وأنعم الله عليَّ بحبها الفضفاض فكانت هي سكني وحبي ومحل سعادتي في الدُّنيا.
والمشكلة بيني وبين أهلها بدأت منذ حوالي عام ونصف حين تعرَّضت لضائقة مالية عاصفة كان يُمكن لها أن تكونَ السبب في دخولي السجن، حيث قامت زوجتي المحبوبة بإعطائي مبلغ عشرة آلاف وذلك من مالها الخاص، وما هو ذهبٌ بقيمة عشرين ألف جنيه مصري جزءٌ منه من الشبكة والباقي من ذهبها الخاص بها، وكان هذا الفعل بكامل إرادتها ووعيها الكامل بحجم المشكلة التي أنا واقع بها، وأيضًا قام أهلي بإعطائي الكثيرَ من المال لمعرفتهم بي وحسن خلقي العام.
وفي يوم كانت زوجتي مسافرة مع أهلها في الإسكندرية وأنا أمرُّ بمشكلة طارئة وحَلُّ هذة المشكلة هو مبلغ ألفي جنيه مصري، وطرقت كلَّ الأبواب الممكنة لكن من دون جدوى، فذهبت للبيت وأخذت من ذهب زوجتي ما هو بقيمة ألفي جنيه، وذلك من دون أخذ إذنٍ منها، وبعد عودة زوجتي من السَّفَر ومع لحظة دخولها المنزل أخبرتها بالضائقة التي مررت بها وبالتالي أني أخذت من ذهبها ما هو بقيمة ألفي جنيه.
وتقبَّلَتْ زوجتي الوضع بكلِّ حب، ولكن أخبرت أختها أني أخذت من ورائها بعضًا من الذهب وهي مسافرة، وانتهى الموضوع بيني وبين زوجتي مرور الكرام، وطبعًا وعدتُ زوجتي بردِّ كل ما أخذته منها بعدما يُيسِّر الله حالي، مع العلم بأن القائمة التي كتبتها لأهل زوجتي يوجد بها ما هو قيمة ذهب خمسة وعشرون ألف جنيه مصري.
فذهبت أخت زوجتي وأخبرت والدها بأني أخذت ذهب زوجتي من دون علمها، وشهدت زوجتي أني أخذته برضاها، ولكن لم يصدق والد زوجتي الحقيقة، فدفع زوجتي لتَرْك منزل الزوجيَّة على أساس أنه سيُعدِّل هذة الأمور ويجيب لها حقَّها.
وبالفعل ذهبت زوجتي لمنزل أبيها من دون موافقتي، وذهبت لمنزل أهل زوجتي لإرضائهم حبًّا لزوجتي، وعندما ذهبت تكلمت عن أنه كيف تسمحوا لابنتكم ترك منزل الزوجيَّة من دون موافقة الزَّوْج، وإذ بهم يتركون هذا الموضوع جانبًا ويتهمونني بالزور والسرقة والنصب على زوجتي وقولِ ما لا يمكن لرجلٍ احتماله من إهانة كرامة والكثير من المهانة، ومع ذلك تحاملت لأنه في هذا الوقت كانت زوجتي حاملًا في شهرها السادس.
وبعد أن وعدتهم بردِّ ما أخذتُ من زوجتي قاموا بترك زوجتي بالذهاب معي لمنزل الزوجيَّة، وأحسستُ بالشرخ الكبير الذي أوجده أهل زوجتي بيني وبينهم وقررت على نفسي المقاطعة لأهل زوجتي، ولكن بعد أن رزقني الله بطفلة فقد دعوتهم جميعًا لإقامة حفل عقيقة للمولودة ورفضوا الحضور. وقاطعتهم المقاطعة النهائية، مع العلم بأن زوجتي تزورهم كل أسبوع مرة وفي كل زيارة تأتي زوجتي مشحونة ضدي بما يضر بعلاقتنا الزوجيَّة.
وبعد سنة ونصف من الحب والاتفاق والمودة بيني وبين زوجتي، والعشرة الجميلة التي لا يشوبها سوى الخلاف العائلي الذي بيني وبين عائلة زوجتي، ودائمًا كان إخوة زوجتي ووالدها يدفعونها لتركي للضغط عليَّ والاعتذار لهم عما بدر مني، وأيضًا لجعلي أسمع كلام زوجتي الذي هو في الأصل كلام عائلتها، وكانت هي تُصِرُّ على التمسك بي لمعرفتها بمدى أخلاقياتي وعدم وجود أي خطأ مني تُجاه أهلها.
وفي أول يوم من عيد الأضحى المبارك ذهبَتْ زوجتي صباحًا لوُدِّ أهلها وإلقاء تحية العيد لهم، وما حدث أن أهلها أقنعوها بالقعود عندهم رغمًا عن أنفي، وذلك كوسيلة لجعلي أمتثل لطلباتهم والضغط عليَّ وشرعوا يأخذون حاجاتها.
مع العلم بأن زوجتي نزلت من المنزل والعلاقة بيننا على أكمل وجه من الحب والعشرة الطيبة، لدرجة أنني تخيلت أنني أسعد رجل بفضل الله في العالم.
ومنذ أربعة وعشرين يومًا لم أستطع التحدث مع زوجتي، حيث منعها أهلها من التحدث إليَّ أو أي فرد من أفراد عائلتي تليفونيًّا أو بأي طريقة أخرى، إلا أن أرضخ لهم وأذهب وأعتذر لهم.
وأنا أقسم بالله أنني لم أتعامل مع زوجتي أو أهلها إلا بما يُرضي الله، ومن هذا المنطلق لم ولن أذهب لهم، وإني أريد زوجتي أن ترجع إلى منزل الزوجيَّة من دون الذهاب لهم، حيث قد غاب عنهم صوت الحق والعقل ولا يتعاملون من منطلق أنه ليس هجر الزَّوْجة منزل الزوجيَّة من حدود الله، بل هم من يضغطون عليها لترك منزل الزوجيَّة، مع العلم بأن زوجتي وأنا لا يشوب حياتنا أيُّ شائبة.
ونزلت أول يوم العيد ونحن في قمة السعادة والسرور ابتهالًا بالعيد المبارك، أعني أنها لم تنزل مضروبةً ولا تبكي ولا أي شيء سيئ.
فضيلة المفتي، ما حكم الدين في هذا الوضع؟ وهل تعتبر الزَّوْجة ناشزًا في هذه الحالة؟ وما حكم الدين في الأب والإخوة في الضغط غير الحكيم على ابنتهم في تَرْك منزل الزوجيَّة من دون وجه حقٍّ؟ أفيدونا أفادكم الله. ولكم جزيل الشكر والاحترام.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن كان الأمر كما تقول فمشكلتك تنحصر في تأثُّر زوجتك بمواقف أهلها وتحليلاتهم للحوادث، على ما في بعض هذه التحليلات من تجاوز واستطالة! ونصيحتي ألا تجعل زوجتك تتمزَّق بينك وبين أهلها، فاجتهد في استعادتها من قِبَل أهلها بما يُرضيهم ما دام ليس فيه ما يُغضب الله عز وجل ، واجتهد في تشكيل وعي زوجتك بطريقٍ تتعلم فيه الإنصاف والحيادية والاستقلالية في غير ما جور ولا شطط ولا قطيعة رحم.
ولا داعي للدخول في قضية نشوز الزَّوْجة أو عدم نشوزها؛ لأن زوجتك تحبُّك وأنت تحبها، والسُّحب التي خيمت على فضائكما فجأة لا ينبغي أن تُنسيك هذا الرصيد العاطفي الكبير.
أما تصرف الزوجة في مالها فهي كغيرها من نساء المؤمنين لها ذمة مالية مستقلة، ولا يجوز لأحد الافتيات عليها في ذلك، فلا يؤخذ مالها بغير إذنها، ولا تمنع من التصرف في مالها إلا بالأسباب العامة للحَجر التي يشترك فيها النساء والرجال جميعًا.
فاجتهد في استصلاح أحوال أهلك وترميم ما فسد من علاقتك بأصهارك. ونسألُ اللهَ لنا ولك العافية. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend