تكليف الزوج زوجته بخدمة أمه بمشقَّة لا تطيقها

أُريد أن أعرف ما حكم الشَّرْع في خدمة أم زوجي؟ فهي تأمرني وزوجي بالخدمة بما لا أُطيق، مثل مسح عمارتها الستة أدوار وشقَّتها وتنزيل أشياء ثقيلة وغير ذلك لها، رغم أنني أعاني من الآلام في الظهر وهي لها خمسة أولاد منهم بنتان، وزوجي يغصب عليَّ بكلِّ هذا، وإنني قد تعبت ولا أتحمَّل كلَّ هذه الخدمة ولي بيت وأطفال.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأسأل اللهَ جلَّ وعلا أن يكتبَ لك هذه المعاناة في موازين حسناتك، وأن يجعلَ لك منها نورًا يسعى بين يديك في الآخرة.
ونصيحتي لك يا بنيَّتي أن تأتمري بينك وبين زوجك في ذلك بالمعروف، وأن توسطي في ذلك بعض من يُجلُّهم من أهل العِلْمِ وحملة الشَّريعة، وقبل ذلك أن تتجمَّلي بالمزيد من الصَّبْر والمزيد من الاحتساب، وأن تستعيني بهذا الحديث الشريف، عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه : أن فاطمةَ رضى الله عنها أتت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  تشكو إليه ما تَلْقَى في يدها من الرَّحَى، وبلغها أنه جاءه رقيقٌ فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته عائشة، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: «عَلَى مَكَانِكُمَا». فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال: «أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ»(1).
وإن كان من نصيحةٍ للزَّوْج فهي أن نقولَ له ونحن لم نَرَه: إن برَّك بأمِّك لا يعني ظلمك لزوجتك وقسوتك عليها، فإنه بالعدل قامت السموات والأرض، وقد علمت أن أهلَ العِلْمِ مختلفون في وجوب خدمة المرأة لزوجها فما ظنُّك بخدمتها لحماتها؟! ثم إن حملتها على شيءٍ من ذلك فلا أقلُّ مِن أن تُعينها عليه وأن تُلاطفها بكلمةِ شكرٍ وعبارة ثناء ولمسة تمسح بها عن جسدها المجهد عناءَ الخدمة ومشاقَّها، ألم يقل نبيُّك في الخدم: وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ»، فكيف بزوجتك وصيَّةِ رسول الله في بيتك؟!
تأمَّل هذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلمٌ في صحيحيهما: مررنا بأبي ذرٍّ بالرَّبَذة وعليه بُرْدٌ وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر، لو جمعت بينهما كانت حُلَّةً؟ فقال: إنه كان بيني وبين رجلٍ من إخواني كلامٌ وكانت أمُّه أعجميةً فعيَّرتُه بأمِّه، فشكاني إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم ، فلقيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  فقال: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ». قلت: يا رسول الله، من سب الرِّجال سبُّوا أباه وأمه. قال: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ»(2).
هذا في الخدم، بل في الرقيق، فما ظنُّك أن تكون وصيَّة رسولك صلى الله عليه سلم بأهل بيتك؟! اللهمَّ ألهمه رشده، ورده إليك ردًّا جميلًا. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

____________________

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «النفقات» باب «عمل المرأة في بيت زوجها» حديث (5361)، ومسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «التسبيح أول النهار وعند النوم» حديث (2727).

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الإيمان» باب «المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها» حديث (30)، ومسلم في كتاب «الأيمان» باب «إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس» حديث (1661).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend