أسألك بالله يا شيخنا أن تجيبني في فتواي، فقد ذهبت في الصيف الماضي كي أخطب فتاة، فرأيتها مغطاة لجميع بدنها باللباس ما عدا الوجه والكفين، فقبلت بها ولم أكن أعلم أنها شعرانية (كمتوسط الرجال شعرًا في الرجلين والفخذين واليدين وجنب الوجه وعلى الشارب)، وأهلها لم يُعلِموني بذلك، حتى اختليت بها بعد العقد وقبل الزفاف وكشفتها، فنفر خاطري منها، وصبرت على ذلك ولم أستطع الفسخ، بحكم أنني أعاني مشاكل أخرى كي لا تُتهم العائلة باللعب على بنات الناس، وبعد الدخول بها حملت، فأعلمت ووضحت حالتي لرسول كي يبلغ أمها وأباها أنني غُبِنت في حقي وأنني صبرت مكرهًا، فكان رد أمها أنهم لم يغشوني بحكم أني أرسلت أختي في الأول ولم تسأل عن ذلك.
وجوابهم الثاني: أني إن لم أشته البنت أن أطلقها وتكفل هي بنتها ومولودها، وهذا الجواب يُعَد في عرفنا إهانة، فهل من حقي أن أطلق؟ أم أصبر وأداويها؟ فإن استقر حالي على عدم اشتهائها هكذا أطلق؟ وبالتالي هل يعد الطلاق من حقي، أم أكون آثمًا؟ أرجو الإجابة فإني أطمئن لفتاويك وإرشاداتك كثيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فنبدأ بنصيحتك حول التماس التداوي من هذا الأمر لزوجتك، فــ«مَا أَنْزَلَ اللهُ عز وجل دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ»(1). وهناك عمليات لإزالة الشعر بالليزر، قد تستغرق بعض الوقت، ربما تمتد إلى سنة ولكنها محققة النتائج بإذن الله، فابدأ بالتماس العلاج، ونرجو أن يُقِر الله عينك ويجمع قلبك على أهلك.
أما حول فسخ النكاح للعيب؛ فقد اختلف أهل العلم في العيوب التي تُخَوِّل الحق في الفسخ، والجمهور( ) على حصرها في الجنون والجذام والبرص وعيوب الفرج، واختار ابن القيم: عدم الحصر في قائمة بعينها من العيوب، وأنه أيما عيب يؤدي إلى تنفير الطرف الآخر وتضرره يخول الحق في الفسخ، ولكن الجميع على أنه متى علم الطرف الآخر بالعيب وسكت عن المطالبة بالفسخ؛ فإن هذا يُسقط حقه في الفسخ بسبب العيب، وله إن شاء بعد ذلك أن ينهي الزواج بالطرق المعتادة لإنهائه، أي بالطلاق أو التطليق أو الخلع، والطلاق وإن كان بغيضًا(3)، ولا ينبغي القفز إليه عند أول عاصفة تتتعرض لها سفينة الحياة الزوجية، ولكنه مشروع في الجُملة إذا وجد له مسوِّغ يقتضيه.
وفي مثل حالتك إذا دامت هذه النفرة ولم تنجح في علاج أسبابها، وخشيت ألا تقيم مع زوجتك حدود الله، ساغ لك أن تلجأ إلى إنهاء الزواج بالطلاق، ولا علاقة لذلك بما ثبت لها من مهر وما يثبت لولدك منها من نفقة، فإن لها المهر بما استحللت من فرجها، ولولدك النفقة في جميع الأحوال. ونسأل الله أن يلهمك رشدك وأن يأخذ بناصيتك إلى ما يحبه ويرضاه. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) سبق تخريجه (3922).
(2) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (5/95-98): «(قال:) ولا يرد الرجل امرأته عن عيب بها، وإن فحش عندنا، ولكنه بالخيار إن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها».
وجاء في «مواهب الجليل» من كتب المالكية (3/483): «ص (فصل الخيار إن لم يسبق العلم أو لم يرض أو لم يتلذذ) ش: أي: يثبت الخيار لكل واحد من الزوجين لعيب صاحبه ولو كان به ذلك العيب أو غيره… ثم شرع يذكر العيوب التي يرد بها بشرط وغير شرط والتي لا يرد بها إلا بشرط، والأولى: هي أربعة فقط على المشهور من المذهب: الجذام، والبرص، وداء الفرج، والجنون».
وجاء في «حاشيتي قليوبي وعميرة» من كتب الشافعية (3/262-263): «باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد إذا (وجد أحد الزوجين بالآخر جنونا)، مطبقا أو متقطعا (أو جذاما)، وهو علة يحمر منها العضو ثم يسود ثم يتقطع ويتناثر، (أو برصا) وهو بياض شديد مبقع (أو وجدها رتقاء أو قرناء) أي منسدا محل الجماع منها في الأول بلحم، وفي الثاني بعظم، وقيل بلحم ويخرج البول من ثقبة ضيقة فيه (أو وجدته عنينا) أي عاجزا عن الوطء (أو مجبوبا) أي مقطوع الذكر (ثبت) للواحد (الخيار في فسخ النكاح) لفوات الاستمتاع المقصود منه بواحد مما ذكر».
وجاء في «كشاف القناع» من كتب الحنابلة (5/109): «فصل: القسم الثاني من العيوب ما يشترك فيه الرجال والنساء وقد أشار إليه بقوله (ويثبت الخيار في فسخ النكاح بجذام أو برص أو جنون ولو أفاق)».
(3) فقد أخرج أبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في كراهية الطلاق» حديث (2178)، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «حدثنا سويد بن سعيد» حديث (2018) بلفظ: «أَبْغَضُ الْـحَلَالِ إِلَى الله الطَّلَاقُ». وأخرجه الحاكم في «مستدركه» (2/214) حديث (2794) بلفظ: «مَا أَحَلَّ اللهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ»، كلٌّ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه . وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ومن حُكم هذا الحديث أن يبدأ به في كتاب الطلاق».