أنا عمري 50 سنة، وتزوجت أرملة في سني تقريبًا عرفيًّا في وجود شاهدين من الشارع، وكان في نيتي أن الزواج على مذهب الإمام أبي حنيفة؛ حيث لا يشترط للثيب وجودَ وليٍّ وتم الإيجاب والقبول في وجود الشاهدين ودفع لها مهرٌ، فهل هذا الزواج صحيح؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الزواج العرفي، هو زواج استكمل جميع مقوماته إلا أنه لم يفرغ في الوثائق الرسمية، والتوثيق القانوني لعقد الزواج ليس من أركان العقد، ولا من شرائط صحته، وإن كان أمرًا جوهريًّا للمحافظة على الحقوق، والمنع من التجاحد عند التنازع، وقد جاء في وثيقة مجمع فقهاء الشريعة للأحوال الشخصية بشأن الزواج العرفي ما يلي:
• الزواج العرفي هو الزواج الذي لم يُثبت في وثيقة رسمية، وتوثيق الزواج ليس من أركانه ولا من شرائط صحته، ولكن ينبغي الحرص عليه، ولولي الأمر سلطة الإلزام بتوثيقه وتعزير من يخالف ذلك حفظًا للحقوق، ومنعًا من التجاحد عند التنازع؛ فإن استوفى الزواجُ العرفيُّ أركانَ الزواج وشروطه وخلَا من موانعه كان صحيحًا، وإن تخلَّف شيءٌ من ذلك كان باطلًا أو فاسدًا بحسب الأحوال.
أما بالنسبة لتخلُّف ركن الولي، فإن كانت هذه المرأة قد زوجت نفسها من الكفء بمهر المثلِ فالزواج صحيح عند أبي حنيفة(1) وباطل عند الجمهور(2). ومهما أمكن تصحيح العقود خاصة بعد استقرارها فلا ينبغي العدولُ عن ذلك، وإن كان يستحب تجديد العقد مع الولي أو وكيله على سبيل الاحتياط وبراءة الذمة.
وقد جاء في وثيقة مجمع فقهاء الشريعة للأحوال الشخصية بشأن الولاية في عقد الزواج ما يلي:
المادة (1): الأصل أن يتولى ولي المرأة المسلمة أو وكيله عقد زواجها عن رضا وتشاور معها، وإذنه في العقد ضرورة دينية واجتماعية.
المادة (2): الأنكحة المختلف في صحتها بين الفقهاء لا تُفسخ، ولكن يُستحب تجديدها احتياطًا، كما لو أُبرم العقد بدون وليٍّ على كفءٍ بمهر المثل، وكانت المرأة بالغة عاقلة. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) جاء في «بدائع الصنائع» (2/247) من كتب الحنفية (الحرة البالغة العاقلة إذا زوجت نفسها من رجل أو وكلت رجلا بالتزويج فتزوجها أو زوجها فضولي فأجازت جاز في قول أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف الأول سواء زوجت نفسها من كفء أو غير كفء بمهر وافر أو قاصر غير أنها إذا زوجت نفسها من غير كفء فللأولياء حق الاعتراض وكذا إذا زوجت بمهر قاصر عند أبي حنيفة خلافا لهما).
(2) جاء في «حاشية العدوي» (2/49) من كتب المالكية (قوله (وهو شرط صحة) أي الولي شرط صحة قوله (ولا المرأة نفسها الخ) مطلقا بكرا كانت أو ثيبا شريفة كانت أو دنية رشيدة أو سفيهة أمة أو حرة أذن وليها أم لا لا يجوز ذلك بوجه).
وجاء في «نهاية المحتاج» (6/244) من كتب الشافعية (لا تزوج امرأة نفسها ولو بإذن من وليها ولا غيرها ولو بوكالة من الولي بخلاف إذنها لقنها أو محجورها وذلك لآية فلا تعضلوهن إذ لو جاز لها تزويج نفسها لم يكن للعضل تأثير).
وجاء في «الإنصاف» (8/50) من كتب الحنابلة (قوله : “الثالث الولي فلا نكاح إلا بولي”.
هذا المذهب أعنى الولي شرط في صحة النكاح وعليه الأصحاب ونص عليه قال الزركشي لا يختلف الأصحاب في ذلك. وعنه ليس الولي بشرط مطلقا. وخصها المصنف وجماعة بالعذر لعدم الولي والسلطان. فعلى المذهب “لو زوجت المرأة نفسها أو غيرها لم يصح”. وهو المذهب وعليه الأصحاب).