بين رضاء الوالد وإكمال الخِطبة

أنا عمري ثمان وعشرون سنة، أخي خطب بنتًا من البلد ولها أخت، وخلال فترة الخطوبة حاول أن يضغط عليَّ كي أتزوج أختها، وللأسف هي غير مناسبة لي من نواحٍ كثيرة، وحاول إقناع أهلي كثيرًا لكن ليس لديهم رغبة حقيقية.
وأكرمني الله ورأيت خطيبتي في فرح أخي؛ لأنها ابنة خالة زوجة أخي، وهي من الإسكندرية وليست من نفس بلدنا، واكتشفت أنها أكبر مني بسنتين، ولكن هذا الموضوع لم يشغل بالي.
والحمد لله بعد فترة ذهب والدي وأخي حديث الزواج لأهل خطيبتي، لكن للأسف لم يحدث اتفاق، وكنت وقتها في «شرم»، ثم نزلت إجازة حتى أُوفِّق وجهات النظر، وذهبت لأهل خطيبتي وتحدثنا كثيرًا، فوجدت أباها يسألني عن مرتبي وطبيعة عملي، وان كنت مدخرًا أموالًا من وراء أهلي أم لا، معي مدخرات في البنك أم لا.
فهمتُ من هذا الحوار الطويل أن أبا خطيبتي يريد أن يمتلكني ويعرف كل حاجة عني، وسكتُّ وتحمَّلت لأجل خطيبتي.
الحمد لله كان اتفاقي على أن أتزوج في البلد في بيت العائلة، ثم آخذها تعيش معي في شرم الشيخ، علمًا بأني أعمل في مجال الغوص بشرم، والحمد لله بعيد عن الخمور، وربنا يُبعدنا عن المعاصي.
بعد الثورة نزلت من شرم، وإلى الآن أنا في البلد، عندنا فرن بلدي وأرض زراعية، وخلال هذه الفترة وأنا أعمل هنا في البلد في الفرن والأرض الزراعية.
المفترض أن نأتي ببقية الذهب في الصيف، لكن ظهر لنا قطعة أرض، وأهلي سألوني: يُزوجوني أولًا أم نشتري الأرض. وكان رَدِّي: الأرض؛ لأنه ليس عندي شغل ثابت، فإما في شرم، أو كمدرس. وأجَّلتُ موضوع الزواج فترة حتى أُرتِّب حالي.
وطبعًا خطيبتي على دراية بكل شيء، ولم أكتم عنها سرًّا من أول يوم خطوبة، خلال هذة الفترة اقترح والد خطيبتي بأن أعمل كمدرس في الإسكندرية؛ حيث إنني حاصل على ليسانس آداب لغة إنكليزية، وبالفعل قدمتُ أوراقي في مدارس خاصة كثيرة، وأهل خطيبتي حاولوا جاهدين إيجاد فرصة عمل لي لكن للأسف المشكلة أن ليس لديَّ خبرة في التدريس، ولم تتصل بي أية مدرسة.
قبل الذهاب آخر مرة كنت عند أهل خطيبتي اتفقت مع خطيبتي أن أرجع للشغل في شرم بعد اتصال من صاحب الشغل قبل الثورة، وعدم اتصال أية مدرسة بي للعمل بها، فوافقت على أن أعود، وسوف نتزوج في البلد على شهر إبريل القادم، ثم أستأجر شقة في الإسكندرية قريبة من أهلها وقريبة من شغلها، حيث إنها تعمل في المتحف القومي بالإسكندرية.
خلال هذه الزيارة قلت لأمها: لن أشتغل مدرسًا، وسوف أرجع «شرم» مرة أخرى، فوجدت المفاجآت من أسئلة: «أنت خلصت كلية منذ سنة 2004م، فين فلوسك، وأنت معملتش حاجة، معملتش حاجة لنفسك وذاتك، أنتم عندكم فرن بلدي، وأخوك علشان هو اللي مديره هيكون ليه وملكش حاجة، لو طلبت حاجة من أهلك مش هيعملولك حاجة، وهم مش عايزين بنتي عندهم». وتقول هذا الكلام أمام ابنتها.
وفي ثاني يوم وخطيبتي في شغلها طلبَتْ مني أمُّها أن أشتري باقي الذهب قبل أن أرجع «شرم»، وأجبرتني أن أنزل لشراء لبس لخطيبتي، طبعًا لم أحب أن أصغر نفسي وقلت لها: «مفيش مشكلة».
مع العلم أني أذهب للإسكندرية وفي جيبي حوالي ستين أو سبعين جنيهًا لا أكثر، كيف سأجلب المال؟! الحمد لله سحبت المال من ماكينة الصرف الآلي، وكانت آخر ثلاثمائة جنيه في حسابي، وقلت لنفسي: «مش مشكلة؛ علشان خاطر خطيبتي هاجي على نفسي». مع أني كنت في موقف محرج جدًّا.
كلمتُ خطيبتي وقلت لها: إني سأشتري لها لبسًا. ولم تفرح على قدر ما كانت تريد أن تعرف لماذا غيَّرتُ رأيي ولم أرجع للبلد.
على العموم خرجنا بعد الإفطار لشراء اللبس، وخطيبتي كل فترة تسأل: لماذا غيرت رأيي؟ اشتريت اللبس وبعدما أنهيت الشراء قلت لها الحقيقة أن أمها فرضت رأيها عليَّ وغصبت عليَّ أن أنزل لأشتري اللبس، ثم بكت خطيبتي ولم يُعجبها كلام أو أسلوب أمها.
وبعد ذلك رجعتُ بلدنا وأنا أشعر أن الدنيا مقفلة في وجهي، وكيف سأتصرف مع هذه المرأة، قلت لوالدتي ثم والدي، وكانوا في صدمة، وقلت لوالدي أن يكلم والدها للتحدث عن باقي الذهب وميعاده، لكن والدي كان مريضًا ولم يتمكن من مكالمته.
وفي ثاني يوم من العيد كنت أُكلم خطيبتي في حوار الذهب كي نضبط عدد الجرامات، حيث عرفت أنهم يقولون كلامًا غير الذي أقوله أنا وأبي وأخي واتفقنا عليه.
صراحةً خطيبتي متدينة ومحترمة ومتعلمة وكل الصفات الحسنة بها، ورضيت بقسمتي ونصيبي من عند الله، وهناك ثقة بيني وبينها، وهي راضية بي وأنا راضٍ عنها.
كنت في شغلٍ في الأرض ورجعتُ البيت فوجدت والدة خطيبتي اتصلت بي كثيرًا، ثم كلَّمتها فوجدت والدها يرد علي ويقول لي: «أنت عملت في بنتي إيه». وأنا لم أعمل لها حاجة نهائيًّا غير أننا كنا نتكلم في حوار الذهب، فرد عليَّ قائلًا: «الذهب 80 جرام، و50 ألف جنيه مؤخر، وشقة تمليك في الإسكندرية، لو عاجبك رد عليَّ خلال ساعة، ولو مش عاجبك هجيبلك هداياك لحد عندك».
هذا حدث في يوم الأربعاء ثاني أيام عيد الفطر الماضي، علمًا بأن الاتفاق كان خمسة وخمسين جرامًا، وخمسة آلاف مؤخر.
يوم الجمعة وجدنا أهلها أتوا البلد للحاج عبده قريبهم، وذهبت أنا وأخي الكبير وأخي الصغير، حدث حوار لتقريب الأمور، كان فيه آخر اتفاق على أن يكون الذهب ستين جرامًا وخمسة آلاف مؤخر، وشقة إيجار قريبة منهم، حيث تكون ابنتهم قريبة منهم أثناء عملي في شرم، ورد الحاج عبده بأن نرد عليهم بعد العصر.
لكن خلال المناقشة أم خطيبتي قالت: «الدخلة مش في البلد، وتكون في إسكندرية». كيف أعمل ذلك ولابد أن تكون الدخلة في البلد، وبعد ذلك نذهب للإسكندرية.
رجعت البيت وتكلمنا مع بعض، أخي الكبير معارض الزواج، ويريد أن يفسد كل حاجة لأنه كان يريدني أن أتزوج أخت زوجته، وهناك خلافات بين أم زوجته وأم خطيبتي؛ لأنهما أخوات وبينهم مشاكل.
أخي ظل يحاول أن يفسد الدنيا ويحاول أن يضغط على أبي، حتى رفض وقال: «دي كرامتنا، والناس داست علينا…».
وبعد كل الضغط منه قرَّر أن يُفسد الحوار، أم خطيبتي من نوعية النساء اللاتي يمتن في المظاهر الكاذبة، آخر كلامٍ بيني وبين خطيبتي أننا نكون مع بعض، وأنا أحاول أن أضغط على أهلي قليلًا كي يُوافقوا، حتى أتيت بناس كثيرين يحاولون أن يُصلحوا، لكن ما زالت هناك بعض الاعتراضات.
وبعد أن كانت خطيبتي موافقة على أن الدخلة تكون في البلد، رفضت لأن أهلها معترضون، وشعرت أن أهلها لا يريدونها، لكن اعتراض أهلي الآن على أهل خطيبتي وليس خطيبتي، فهم يريدون أن يتدخلوا في حياتنا ويفرقونا كأخوات وأنها ستعمل مشاكل كثيرة فيما بعد.
قلت لأهلي: أنا سأسافر، ولن أرجع، وحقيقي قررت أني أريد أن أتزوجها وليس غيرها. والدي قال لي: «لو مشيت مش هتاخد حاجة مني خالص، سواء حي أو ميت».
لا أعرف كيف أعمل؟ أرجو الرد عليَّ، وأرجو أن يكون الموضوع سريًّا، والله يوفقكم في خدمة مصرنا وإعطائنا النصيحة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فما ذكرته من جنس المشكلات التقليدية التي يتعرض لها كثيرٌ من الخُطَّاب في مرحلة الخطوبة، وما دمت راضيًا بمخطوبتك وهي من ذوات الدين والخلق، فلا تأخذها بجريرة أهلها، وأرى أن تأتمر بينك وبين أهلك بمعروف، وأن تُناقش معهم الأمر بعيدًا عن الانفعالات والتوترات، وأن تبسط لهم وجهة نظرك، وأن تجتهد في إقناعهم بها، وربما لو وسطت أحدًا من أهل الدين وحملة العلم المخالطين لك لكي يكون عونًا لك في ترشيد قرارك وإقناع أهلك به بعد الاستماع الكامل إليكم عن كثب، لكان هذا أعون لك على تحقيق المراد.
ثم اجتهد يا بني في الدعاء والضراعة إلى الله جل وعلا، أن يجعل لك من ضيقك فرجًا، ومن عسرك يسرًا، فإن الله جل وعلا أقرب من ترجو، وهو أرأف من ملك وأكرم من سئل. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend