بين خطبة المحبوبة بغير رضا الأهل وإقناعهم

أنا طالبٌ في آخر سنة دراسية، تعرَّفتُ على فتاة، أحببتها، اتفقنا على أن نُرضي الله ولا أدخل البيت إلا من بابه، لم أحدثها منذ ثلاثة أشهر، كما اتفقنا أن نُرضي الله.
لكني أشتاق لها، وبالطبع أودُّ أن أحدثها، طلبتُ من أهلي أن نذهب للتقدم لها فرفضوا، مع أن معي ما يُمكنني من شراء حاجيات الخطوبة من عملي في الإجازة.
يرفضون بداعي أني ما زلت صغيرًا، ولما تتخرَّج من الجامعة نذهب معك.
أرجوك ساعدني، أنا أريد العفة ورضا الله، وقادر على أن أخطبها الآن.
حين أخبرت أمي أن بإمكاني أن أذهب وحدي؛ كي أتقدَّم حتى لا أحرجهما، فرفضت وبدأت تتحدث عن أني ابن عاصٍ وغير بارٍّ بها.
هل بإمكانك يا شيخنا أن تتوسط لي مع أهلي وتقنعهم، أم ترى أنه يجوز لي أن أتقدم بدون أن آخذ رأيهم؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل يا بني في مثل هذا هو قول النبي ﷺ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»(1).
فالزواج المبكر سُنَّة حسنة حميدة، وميلك الطبيعي إلى فتاة ورغبتك في الارتباط بها في إطار ما أحله الله ورسوله رغبة مشروعة، ما دامت لم تحملك على مسارقة نظر، ولا على سعيٍ إلى خلوة محرمة، أو مغازلات لا تحل في هذه المرحلة، التي لا تزال فيها أجنبيةً عنك، وسوف تظلُّ كذلك حتى يتم العقد عليها.
قال العيني في «عمدة القاري» عند شرحه لحديث بريرة وفراقها لمغيث بعد تحريرها: «يُستفاد منه أنه لا حرج على مسلمٍ في هوى امرأة مسلمة وحبه لها، ظهر هذا أو خفي، لا إثم عليه في ذلك، وإن أفرط، ما لم يأتِ محرمًا ولم يغشَ إثمًا»(2).
وممانعة أهلك لك في هذه الرغبة خلافٌ للأصل المعهود في السنة.
ولكن قد يكون للأهل في هذا وجهة نظر ينبغي أن تتفهمها، فهم لا يُريدونك أن تنشغل عن اهتمامك بمستقبلك التعليمي في هذه المرحلة الحرجة من مسيرتك العلمية، وإن هي إلا بضعة أشهر وتتجاوز هذه المرحلة يا بني، ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستعفف يعفه الله(3).
فلا تفقد مؤازرة أهلك لك، ولا تفكر أبدًا في مغاضبتهم أو الخروج عن طاعتهم، بل إن استطعت إقناعهم بالحسنى بما تريد فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإن كانت الأخرى فتصبَّر واستعفف، واستعن على ذلك بالصبر والصلاة والدعاء(4)، وربك أرحم الراحمين وكل آتٍ قريب.
زادك الله هُدًى وتقًى وعفافًا وغنًى. والله تعالى أعلى وأعلم.

____________________

(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «من لم يستطع الباءة فليصم» حديث (5066)، ومسلم في كتاب «النكاح» باب «استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه» حديث (1400)، من حديث عبد الله بن مسعود.

(2) «عمدة القاري» (20/296).

(3) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الزكاة» باب «الاستعفاف عن المسألة» حديث (1469)، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «فضل التعفف والصبر» حديث (1053)، من حديث أبي سعيد الخدري: أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله ﷺ فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده فقال: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ».

(4) قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِين﴾ [البقرة: 45].

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend