بين إخبار الزانية التائبة خطيبها بزناها، وإجراء عملية ترقيع لغشاء البكارة

شيخنا الفاضل جزاك الله خيرًا على فتواك القديرة وأرجو أن أرتاح من همي الذي لا يؤلمني كثيرًا.
في بداية الأمر لم أكن ملتزمة وكنت مستهترة لدرجة كبيرة؛ إلى أن ارتبطت بشاب أحبني كثيرًا، وكنت في حالة يأس من حياتي وبعدٍ عن أهلي، وبعدي عن الله وعن العبادات، فوقعنا في الزنا، وبعدما حدث ذلك بدأت أحس بمدى المعصية التي فعلتها، وأخذت قرارًا معه ألا يتكرر الموضوع ثانية، ولكنه هددني ألا نتزوج إن لم يحدث ذلك ثانية، وبعد مدة من علاقتنا تقدم لخطبتي، وبالفعل وافقت وكان عندي أمل أن نتوب، وطلبت منه الكثير من المرات أن نتوب ولم يوافق، إلى أن اتخذت قرارًا ألا أستمرَّ معه في هذه العلاقة وفسخت خطوبتي، ومن بعدها الحمد لله بدأت أصلي وبعدت عنه تمامًا، والتزمت بالزي الشرعي وتعاليم ديني، وبدأت في حفظ القرآن ودراسة العلم الشرعي، وحاول أن يعود لي خطيبي مرة أخرى ولكنه دون أن يتوب لأنه لم يكن مقتنعًا أننا على خطأ، ورفضت العودة له وأكملت طريقي، والحمد لله.
و الآن تقدم لي شاب ملتزم جدًّا وذو خلق عالي والحمد لله ويريد الزواج مني.
فماذا أفعل فأنا لست بِكرًا ولا أستطيع مصارحته لأنه سوف يبتعد عني، ولا أريد أن أفضح نفسي بعد أن سترني الله، والحمد لله.
مع العلم بأني أرفض أن أجري عمليه الترقيع لكوني سوف تكشف عورتي وأنا أرفض ذلك. فما هو الحل؟ ألَا أتزوج نهائيًّا أم أتزوج والله حليم ستار وسوف يسترني إن شاء الله؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عليه(1)، رجلًا كان أو امرأة، ولا يلزم إخبار الخاطب بذلك، فليس لها أن تهتك ستر ربها عليها، ولا ينبغي للخاطب أن يضيق على مخطوبته ويستقصي ماضيها، ما دام قد آنس منها ظاهر الصلاح والاستقامة، وإن ضيق عليها فلا يلزمها إخباره ولها أن توري في حديثها بما يصرف عنه هواجس السوء.
والتورية هي الكلام الذي يفهم منه السامع معنى خلاف ما يريد المتكلم، وإن اعترفت له بخطيئة فينبغي إذا آنس صدق توبتها أن يقيل عثرتها، وأن يستر عليها باستبقائها، وقد صح في فضل ستر المسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(2).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في التعليق على قصة ماعز رضي الله عنه: «ويؤخذ من قضيته: أنه يُستحبُّ لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى، ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز، وأن مَن اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا، ولا يفضحه، ولا يرفعه إلى الإمام، كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة: «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ»(3). وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه. فقال: أُحبُّ لمن أصاب ذنبًا فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب. واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر»(4).
أما قضية رتق غشاء البكارة لمن ألمت بالفاحشة، ثم تابت وصدقت في توبتها، فهو من مواضع النظر بين أهل الفتوى، ما بين مجيز ومانع، فمن أجاز نظر إلى مصلحة الستر وإعانة التائبة على استئناف حياة الطهر والفضيلة، ومن منع نظر إلى مفسدة الغش والتدليس، وما يمكن أن يترتب من مفاسد غالبة إذا اكتشف الزوج ذلك.
ولا شك أن هذه القضية من النوازل الفقهية الحادثة، التي عرفها الناس بعد تقدم العلوم والمعارف الطبية والتكنولوجية وكتب الفقه لم تتعرض فيما نعلم لحكمها، ويدرس حكمها في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد، وغلبة أحد الجانبين على الآخر، وأرى أن تدرس كل حالة على حدة، وأن تعرض على المفتي بملابساتها ليفتي فيها بما أراه الله عز وجل.
وأكثري يا بنيتي من الحسنات وفعل الصالحات فإن الحسنات يذهبن السيئات(5)؛ فقد ارتكبت أمرًا عظيمًا ومنكرًا غليظًا! ولكن نحمد الله على أن ردك إليه بالتوبة، فاحفظي الله يحفظك، وأبشرك ببشارة نبوية مباركة؛ فقد روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَسْتُرُ اللهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(6).
ثم أقسم نبينا صلى الله عليه وسلم على ذلك تأكيدًا له فقال عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلَاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ لَا يَجْعَلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ، فَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ: الصَّلَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالزَّكَاة. وَلَا يَتَوَلَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا جَعَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُمْ. وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا رَجَوْتُ أَلَّا آثَمَ: لَا يَسْتُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(7).
فاستديمي يا بنيتي التوبةَ وفعل الصالحات، وأكثري من الضراعة إليه في الخلوات وفي الأسحار، وأبشري برب كريم، أرجو أن يريك من لطائفه ما لم يكن يخطر لك على بال. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) فقد أخرج مالك في «موطئه» (2/ 825) حديث (1508) مرسلًا عن زيد بن أسلم رحمه الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ الله، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ الله فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله».

(2) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «المظالم والغصب» باب «لا يظلم المسلم المسلمَ ولا يسلمه» حديث (2442) ، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «تحريم الظلم» حديث (2580) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(3) أخرجه أبو داود في كتاب «الحدود» باب «في الستر على أهل الحدود» حديث (4377) من حديث نُعيم بن هزال الأسلمي رضي الله عنه، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (4377).

(4) «فتح الباري» (12/125).

(5) قال تعالى:{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } [هود: 114].

(6) أخرجه مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «بشارة من ستر الله تعالى عيبه في الدنيا» حديث (2590).

(7) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/145) حديث (25164) ، والحاكم في «مستدركه» (4/425) حديث (8161) ، وذكره المنذري في «الترهيب والترغيب» (1/149) وقال: «رواه أحمد بإسناد جيد».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend