النصيحة بالعزل لحديثي الزواج في المجتمع الغربي

شيخنا، أود أن أستفتيكم في أمر دقيق: بحكم تعاملي الكثيف مع شباب الجالية الملتزم عمومًا، فقد لاحظت فيهم حماسًا عجيبًا لقضية الزواج، ربما لكثرة الفتن والشهوات من حولنا.
بصراحة، الشباب عندنا يُعاني مِن حمل همِّ الزواج إلى درجة تكاد تبلغ الجنون، وهذا الهمُّ المفرط جعل الكثيرَ يُسارع في العقد والقران قبل التعلم والاستفسار واستشارة من جرَّب ممن هم أكبر سنًّا.
المشكلة يا شيخنا بسبب هذا التسرع أن نسبة الطلاق عندنا في مجتمع الشباب بلغت قدرًا مخيفًا جدًّا، فلا يكاد يمر يوم إلا وتأتيني شكوى جديدة متعلقة بالطلاق؛ وفي الغالب تنتهي العلاقة في أقل من سنة.
الله المستعان، عجلة وطيش وتسرُّع وصبيانية وقلة صبر، ثم انعدام دور الآباء في التوجيه جعلت هؤلاء الشباب الذي لم يبلغ أحيانًا العشرين من العمر يُسارع في الانفصال لأدنى سبب، تاركًا وراءه امرأة حاملًا في مثل سنِّه، لم تتعلم بعدُ كيف تقوم على أمر نفسها، فضلًا عن رضيعها.
ويزداد الأمر سوءًا حين يتبرأ الآباء من بناتهم المطلقات الصغيرات بعد ذلك، ووالله لقد حدث! فتجد فتاة العشرين نفسها وحيدة في شقة مؤجرة بيسير من المال.
فالذي صرتُ أُوصي به الشباب خاصة في دروسي العامة هو اللجوء إلى العزل وعدم التعجل في طلب الولد على الأقل خلال السنة الأولى حتى تستقر العلاقة وتطمئن النفوس بعضًا إلى بعض، حتى نقلِّل من ضرر هذه النسبة العالية من الطلاق.
فهل أنا مخطئ، أم مصيب في نصيحتي هذه؟
أنا أعلم بأنها في ظاهرها مخالفة لما في هديه صلى الله عليه وسلم من الحثِّ على التكاثر، ولكني والله مشفق جدًّا على هؤلاء الأطفال الرُّضَّع الذين سينشئون بلا رعاية في هذا المجتمع الغربي.
واستأنست في رأيي هذا بما جاء عن بعض الفقهاء من تحريم الزواج على الأسير المسلم عند العدوِّ، خشية استرقاق الولد، ولا أرى كبيرَ فرقٍ بين الأسير في زمانهم وبين الشاب الذي نشأ هنا ولا علاقة تربطه ببلاد المسلمين أصلًا، ثم ينجب طفلًا آخر ربما لن يبالي به في أي وادٍ من هذا المجتمع هلك. أرشودني جزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يظهر لي حرج فيما ذكرت في ضوء ما احتفَّ بالزواج في هذه البلاد من هذه الملابسات الخاصة، لاسيما أن العزلَ في ذاته ليس من المحرمات، فقد ثبت عن الصحابة رضي الله عنه  وأرضاهم أنهم كانوا يعزلون، وقد أقرهم النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك؛ فقد روى مسلم في «صحيحه» عن ابن مُحَيرِيزأنه قال: دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد الخدري، فسأله أبو صرمة فقال: يا أبا سعيد، هل سمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل؟ فقال: نعم، غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  غزوة بالمصطلق، فسبَيْنا كرائمَ العرب، فطالت علينا العزبة، ورغبنا في الفداء، فأردنا أن نستمتع ونعزل، فقلنا: نفعل ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم  بين أظهرنا لا نسأله. فسألنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  فقال: «لَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا، مَا كَتَبَ اللهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَتَكُونُ»(1).
وفي الباب حديث جابر رضي الله عنه : كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغه ذلك فلم يمنعنا(2).
وكذلك حديثه عند مسلم أيضًا: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: إن لي جارية هي خادمتنا وسَانِيَتُنا(3) في النخل، وأنا أطوفُ عليها وأكره أن تحمل؟ فقال: «اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ؛ فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا»(4).
فإذا دعتِ الحاجة إلى العزل فلا حرج فيه، والذي يظهر أن ما ذكرته من المصالح الظاهرة، الأمر الذي يُرجَّح معه اللجوء إلى هذا القول، كلما ظهرت الحاجة إلى ذلك. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) أخرجه مسلم في كتاب «النكاح» باب «حكم العزل» حديث (1438).

(2) أخرجه البخاري (5209).

(3) أي التي تسقي لنا.

(4) أخرجه مسلم في كتاب «النكاح» باب «حكم العزل» حديث (1439).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend