هل يجوز للمرأة المسلمة التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك والتويتر)، وإقامة علاقات بريئة تبادلًا للمعارف والخبرات، وتزجية للأوقات وقطعًا للملل والرتابة التي تفرضها نمطية الحياة المنزلية؟
هل يجوز للمرأة العاملة أن تتخذ صديقًا تتحدث معه وتُفضي إليه ببعض همومها في العمل أو في خارجه في غير خلوة ولا ريبة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا تعرِفُ الشريعة خصوصيةَ علاقة بين رجل وامرأة خارج إطار الزوجية أو المحرمية، ولا يعني هذا حرمةُ التخاطب بين الجنسين، فلا حرج فيما كان من ذلك بالمعروف، وتجد دائمًا في هذا الباب طرفين وواسطة بينهما، فمن الرجال من يبالغ في الغَيْرة حتى تبلغ به مبلغًا يحمله على منع زوجته من الردِّ على الهاتف، بل من الرد على من يطرق البيت في غيابه، وقد تمهَّد أن اللهَ يكره الغيرة في غير ريبة(1).
وفي المقابل تجد من يطلقون لأنفسهم ولأزواجهم الحبلَ على الغارب، فلا يبالون بالتوسُّع في إقامة العلاقات الخاصة خارج إطار الزوجية، سواء أكان ذلك بدعوى الاستمتاع البريء بمثل هذه المحادثات، أم بدعوى المساعدة والإغاثة وعمل الخير، وجُلُّ ذلك من خطوات الشيطان وحبائله، التي ينصبها ليوقع بها الأغرار من ضحاياه. والمعصوم مَن عَصَم اللهُ عز وجل.
وبين هؤلاء وأولئك واسطةٌ بينهما تتباعد عن طرفي الغلو في هذا الباب، فلا تمنع التخاطب بالمعروف في حدود الضرورات والحاجات والمصالح المشروعة، كما قال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا } [الأحزاب: 32]. على أن يُقدَّر ما كان من ذلك بقدرِه، ولا تسترسل الاسترسال الذي يوقعها في المحذور والمحظور، ويخرج بها عن جادة العفاف والفضيلة.
فللمرأة أن تتواصل بالمعروف في إطار حاجياتها الحياتية، كتواصلها مع الطبيب إن لم تتيسر طبيبةٌ لعرض شكايتها واستنصاحه في شأنها الصحي، ومع أستاذها لسؤاله عن مسألة علمية محضة، ومع المفتي للاستفسار في أمر شرعيٍّ عرض لها، ومع محاميها لسؤاله في أمر قانوني عرض لها، ومع أصحاب الحِرَف والمهن كعمال الكهرباء والسباكة والنجارة ونحو ذلك لقضاء حاجتها، ومع الصيدليات لاستجلاب دوائها، ومع محلات الطعام والشراب والأغراض المنزلية لقضاء حوائجها، سواء أكان ذلك مباشرةً أم من خلال الهاتف، ونحو ذلك، وما شرع للضرورة أو الحاجة فإنه يقدر بقدرها، ويبقى ما وراءه على أصل المنع.
أما أن تُقيم مع أحدٍ من هؤلاء علاقةً خاصة تتجاوز التعامل المهني وما تقضي به الحاجات والضرورات، تفضي إليه بدقائقها، وتتبسط في الحديث معه كما يتبسط مع الأزواج والمحارم، بدعوى الصداقة البريئة والتواصل الاجتماعي البريء- فكلُّ ذلك من نزغ الشيطان ووسوسته وتلبيسه.
والضابطُ في اعتبار المحادثة بالمعروف أن كلَّ ما يُستحيى منه ويُكرَه أن يَطَّلِع عليه الناس فهو من المنكر الذي يجب تجنُّبه، وهذا الضابط بطبيعة الحال إنما هو بالنسبة للأسوياء من الناس، وذوي المروءة والصلاح منهم؛ لأن سواهم قد يجاهر بذلك، ويعتبره دلالةً على الفتوُّة والتحضر والاستنارة.
هذا، ولا يُنكَر أن للمرأة حاجةً نفسيَّةً في أن تركن إلى رجل تُفضي إليه بمشاعرها، وتأنس برأيه فيما يعرض لها، وتستعين به على ما تواجهه من مشاقِّ حياتها، ولكن لن يكون هذا الرجل إلا زوجًا أو محرمًا، وإن ظنت خلاف ذلك فهي واهمة وحالمة، قد خالفت الشرع والعقل جميعًا.
وكل ما ذُكر عن المرأة في علاقتها بالرجل فإنه يقال مثله في علاقة الرجل بالمرأة، فهو مطالب بدوره بأن تكون علاقتُه بالنساء من غير المحارم في إطار الضرورات والحاجات، وأن يكون تواصلُه معهن بالمعروف من القول في غير خلوةٍ ولا ريبة ولا تكلُّف في إِلَانة القولِ يخرج به عن القصد. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) فقد أخرج ابن ماجه في كتاب «النكاح» باب «الغيرة» حديث (1996)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللهُ وَمِنْهَا مَا يَكْرَهُ اللهُ؛ فَأَمَّا مَا يُحِبُّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا مَا يَكْرَهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ»، وذكره الألباني في «صحيح الجامع» حديث (5905).