شيخنا الفاضل، بداية أود أن أشكرك على ردك على فتواي الأولى التي كانت بعنوان: هل أطلق زوجتي بسبب ذلك؟
ثانيًا: أود أن أستكمل مع فضيلتكم عرض باقي الأحداث وأن تفيدني برأيكم السديد ومشورتكم ونصائحكم الحكيمة بما يقتضيه شرع الله وسنة نبيه ﷺ. أما بعد:
فلقد ذهب أبي وأمي لبيتهم، واستطاعا بفضل الله تعالى أن يُعيدا زوجتي للمنزل بعد الفترة التي أمضتها لدى أهلها، وأُقسم بالله تعالى أني منذ أن قرأت ردك وأنا عاهدت الله تعالى أن أستقيم، وبالفعل أصبحت أنتظم في عباداتي واستغفرت الله وتبت إليه مما فعلته من ذي قبل وأدى بي إلى ما كنت عليه.
ولكن ظلت زوجتي في هجرها لي وتنكيدها المستمر وفتحها لموضوع صديقتها التي كنت أحادثها، وهي تردد نفس العبارات السابقة من أنها أصبحت لا تطيقني وأنها لا تريد أن تعيش معي، ولولا خوف أهلها من الفضائح وخوفهم على ابنتها وأنهم لا يريدون أن تُطلَّق لطلبت هي الطلاق وأصرت عليه.
وأنا أسمع كل ذلك وأصبر وأحتسب، إلى أن أتى يوم وطلبت مني أي حل لمشكلتنا تلك؛ لأنها لا تطيق أن تعيش معي ولا تطيق حتى أن تنظر لوجهي، ولا تطيق حتى أن ألمسها أو أتحدث إليها أو نتبادل أي حديث، وأنها تريدني أن أترك البيت وتعيش هي بمفردها، بل أيضًا تريدني أن أنفصل تمامًا عنها، بمعنى أنه لا يكون هناك طلاق، بل نظل متزوجين وأمام الناس نعيش حياة طبيعية، ولكن لا يتم أي جماع أو حتى أي شكل من أشكال العلاقة الزوجية فيما بيننا، وإن أردت أن أتزوج فبإمكاني ذلك وهي ستقوم كخادمة لي تغسل وتطبخ فقط، وإذا تزوجت أتركها في حالها وزوجتي الأخرى تقوم بواجباتي الزوجية الخاصة والعامة.
فقلت لها: سأستخير الله في ذلك. وبالفعل استخرت الله تعالى بالمسجد ورجعت للبيت وقلت لها: إنني سأطلقها لأنني لا أريد تلك الحياة، ولكن عليها أن تمهلني فترة حتى أستطيع أن أدبر مؤخر الصداق، وهي وافقت على ذلك.
والآن نعيش تحت سقف واحد وترفض هي أي شكل من أشكال الكلام أو حتى التفاهم، بالإضافة لأي نوع من أشكال العلاقات الزوجية الخاصة.
وأنا يا سيدى بمنتهى الأمانة لا أملك مالًا للزواج من أخرى، حيث إننى كل ما أملك قد أنفقته في زواجى هذا، وحاولت مرارًا وتكرارًا أن أذكرها بأحاديث للنبي كي أعظها وأحثها على الطاعة فيكون الرد جارحًا كالعادة بأن تهزأ مني ومن كلامي وتقول لي: أنت آخر شخص في الكون أسمع منه هذا الكلام.
وحين أطلب منها أن نصلي معًا تسخر مني وتقول: أنت آخر شخص ممكن أصلي معه.
وأنا متعب جدًّا من هذا التعامل، فقررت أن أهجرها في المضجع، فوجدت أنها هي التي لا تطيق مني أن ألمسها، ففكرت في الضرب فوجدت أنني لست بإنسان همجي يضرب زوجته وأخشى أن تغضبني أكثر أثناء ضربها فلا أستطيع أن أتمالك نفسي فأضربها ضربًا مبرحًا يُفضي إلى إصابة أو موت لا قدر الله تعالى.
يا سيدي هل صبري على إيذائها ذلك أؤجر عليه حتى لو كان هذا الإيذاء (الشتائم، السخرية، الإهانات، الكلام الجارح، والإعراض عن الواجبات الزوجية الخاصة)، هل أصبر وأحتسب وأزيد الصبر عسى أن يصلح حالها الله، أم أقترض مؤخر الصداق وأعطيها حقوقها وأسرحها بالمعروف؛ حيث إنني كثيرًا ما يفتح لي الشيطان باب الطلاق ويقول لي: طلقها وتزوج امرأة أخرى من بيت فاضل تسمع كلامك وتنتقب ولا تشاهد التلفاز وتبر أهلك… إلخ. وكل ذلك في زوجتي؛ حيث إنها ترفض النقاب، وتشاهد التلفاز، وتسمع الأغاني، وأحاول جاهدًا أن أمنعها ولكنها تقول لي: إن ذلك حرية خاصة بها.
أنا شرحت لك كل شيء بما يُرضي الله تعالى، وبالله عليك رُدَّ عليَّ لأنني تعبت، أصبر وأحتسب أم أطلق طلاقًا نهائيًّا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن للحياة الزوجية طريقين لا ثالث لهما: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. فمن عجز عن الإمساك بمعروف واستنفد كل وسائله في ذلك فأمامه التسريح بإحسان.
فإن كان الأمر كما تقول فالذي يظهر أن الطلاق هو المخرج من هذه المحنة، ولمثل هذه الحالة ونظائرها قد شُرع الطلاق.
وما دامت المرأة هي التي تصر عليه من غير ما بأس من ناحيتك فنحن أمام خلع، يلزمها بأن ترد عليك ما دفعته لها من صداق بدلًا من أن تُطالبك بمؤخره؛ لقول النبي ﷺ لزوجة ثابت بن قيس التي كرهت عشرة زوجها رغم إقرارها بصلاحه: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟». قالت: نعم. فقال لزوجها: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً».
فاستخر الله تعالى، وكرر الاستخارة، فإن شرح الله صدرك لهذا فتوكل على الله، ونسأل الله أن يجبر كسرك وأن يعوضك خيرًا. والله تعالى أعلى وأعلم.