الزواج العُرفي والطلاق ثلاثًا

أنا تزوجت عرفيًّا بإنسانة قابلتها منذ عام تقريبًا، وهي كانت متزوجة من قبل وطلقت، وخوفًا من ارتكاب المعاصي انتظارًا للارتباط الرسمي أملًا في تحسن الظروف الاجتماعية قررنا الزواج عرفيًّا.
عثرتُ على صيغة لعقد الزواج العرفي وطلبت من ابن خالتي أن يقوم بنسخها نسختين، وطلبت من أخي وابن خالتي أن يكونا شهودًا على العقد، ووقعوا قبل حضور العروس بيوم منعًا لإحراجها. وفي اليوم الثاني حضرت العروس وقرأنا معًا العقد وشروطه ووقعنا بموجبه معًا.
وقد علمت أن كونَها مطلقةً يُسقط عنها شرطَ حضور الولي فتصبح هي ولية نفسها.
احتفظتُ أنا بنسختي العقد معي دائمًا منعًا وتحسبًا لأي ظرف قد يحدث عندها إذا ما وجد أهلها العقد صدفة.
مع مرور الأيام بدأت المشاكل تدب بيننا نظرًا لبعدنا عن بعضنا دائمًا وندرة رؤيتنا لبعضنا، حيث إنه في عام كامل لم نرَ بعضنا سوى أربع مرات، نظرًا لأنها تسكن في صعيد مصر وأنا من ساكني القاهرة.
وفي يوم حدثت بيننا مشكلة ومشاداة قوية وصلت لحد طلبها الطلاق، وكنت أنا في شدة عصبيتي فطلقتها، وبعد ذلك اتفقنا على أن أردها بالنية وبإعلامها بذلك، وتكرر الأمر مرة أخرى لنفس السبب وهو ندرة رؤيتنا لبعضنا وطلقتها الطلقة الثانية، ورددتها أخيرًا منذ حوالي شهر بالاتفاق بيننا على أننا سنسعى جاهدين للسيطرة على غضبنا، ووصلت لحل أن أتقدم بظروفي الحالية الصعبة لأمها.
وتزامن هذا مع تقدُّم عريس غني لها، ويعمل كطبيب، وجاهز طبعًا بكل شىء، ورفضت أمها طلبي، ووقتها أخذت قرارًا بتطليقها وألا أقف في طريقها هي وابنها ذو الأعوام الأربع؛ لأنها تحتاج لإنسان مستقر اجتماعيًّا ليحميها هي وابنها.
سؤالي هو: هل الزواج يُعتبر صحيحًا؟ علمًا بأني سألت أمس صديقًا شيخًا لي وقال: إن الزواج بدون ولي هو باطل باطل باطل، وهذا ورد في حديث شريف للنبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، وما بُني على باطل فهو باطل، وكون أنها مطلقة لا يُسقط عنها شرط الولي.
كما علمت أن الزواجَ العرفي لا يصح فيه التطليق ثلاث مرات، هل زواجي باطل أم لا؟ وهل الطلقات الثلاث صحيحة أم لا؟ والأهم كي أكون صريحًا مع نفسي وأمام الله أني كانت نيتي أنا وهي أننا متزوجون، والله شاهد علينا، وأني عندما أطلقها أو أردها كانت نيتي أني أطلق زوجتي أو أرد زوجتي.
وإذا كان الزواج باطلًا أرجو معرفة ما هي كفارة ما ارتكبناه من ذنب؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن جماهيرَ أهل العلم على اشتراط الولي في عقد النكاح؛ لحديث: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» (1)، ولغير ذلك من الأدلة التي استدلَّ بها جماهيرُ أهل العلم على اشتراط الولي.
ومما يزيد في ريبتي في أمرك عدم علم أهلها بهذا الزواج، حتى تقدَّم إليها خاطبٌ يخطبها؛ لجهالة أمها وعائلتها بهذا الأمر، ولكن قد تعذر لجهالتك بحكم الولي، ويشفع لك تصحيح مذهب الأحناف لهذا العقد إن كنت كفؤًا لها وقد أعطيتها مهر المثل، وهو ما أخذ به القانون المصري للأحوال الشخصية.
وعلى كلِّ حال لقد مضى ما كان، وقد طلقتها ثلاثًا كما تقول، فأرى أن تتركها تستأنف حياتها، وأن توفيها حقَّها من مؤخر الصداق ونفقة العدة، وأن تتوب إلى الله جلَّ وعلا مما وقعت فيه من شبهة نكاح السر.
ونسأل الله أن يُقيل عثرتك، وأن يقبل توبتك، وأن يغسل حوبتك، وأن يحملك في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. والله تعالى أعلى وأعلم.

________________

(1) فقد أخرج ابنُ حبان في «صحيحه» (9/ 386) حديث (4075) من حديث عائشة ل: أن النبي ﷺ قال: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ»، وقال: «لا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر»، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/ 176) وقال: «هو كما قال ابن حبان، وله طرق أخرى فيها ضعف لا حاجة إليها معه».
وأخرج أحمد في «مسنده» (6/ 66) حديث (24417)، وأبو داود في كتاب «النكاح» باب «في الولي» حديث (2083)، والترمذي في كتاب «النكاح» باب «ما جاء لا نكاح إلا بولي» حديث (1102)، وابن ماجه في كتاب «النكاح» باب «لا نكاح إلا بولي» حديث (1879) من حديث عائشة ل أن النبي ﷺ قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ»، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/ 187) وقال: «رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال الترمذي: حسن. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وقال ابن الجوزي: رجاله رجال الصحيح. وقال ابن معين: إنه أصح حديث في الباب»، وكذا صححه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (1840)..

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 النكاح, 06 الطلاق, 12 فتاوى المرأة المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend